نبيل المالح.. العين الثالثة
العدد 265 | 30 حزيران 2021
زياد عبدالله


 

لا أعرف كم ممن هم من جيلي شاهدوا فيلم نبيل المالح “الفهد” (1972)؟ ربما “الكومبارس” أكثر، طالما أنني كنت شاهداً على كثر ممن أخذهم الفيلم أخذ مخرج مقتدر وهو يختزل سورية في غرفة. أقول قولي هذا مع أنني لم أكن في وارد استعراض ما تعنيه أفلام المالح بالنسبة لي أو لجيلي، وتحديداً لمن كانوا مثلي مهووسين بالسينما وهم لا يشاهدون الأفلام إلا على أشرطة في اتش اس في سورية التسعينات المجيدة! إلا أنني لم أقاوم غواية مفصلية “الكومبارس” في حياتي وحياة من كانوا حولي حين شاهدناه في سينما الكندي (شاهدته ثلاث مرات)، أمام ادعائي التصدي لتقديم كتاب المخرج قيس الزبيدي عن مخرجنا السوري الريادي “نبيل المالح.. العين الثالثة” الصادر أخيراً عن دار “خطوط وظلال” في عمّان.

حسناً، عليّ أن أقول أولاً، إن هذا الكتاب فعل نبيل عن نبيل سينمائي سوري، في هذا الزمن الذي يضيق بهكذا أفعال! أوليس من حق نبيل المالح علينا أن يحظى بكتاب يجمع فيه ما كُتب عنه في حياته وبعد مماته؟ عن ريادته؟ وأنا أجد في “الفهد” فيلماً مفصلياً في تاريخ السينما العربية، لا بل العالمية، مروراً بـ “بقايا صور” وصولاً إلى “السيد التقدمي” وغيرها الكثير من أفلام أنجزت بمعجزة، معجزة مبدع يتفوق إبداعه على إحباط الواقع الإنتاجي البائس في سورية، وهو يؤكد في كل فيلم أخرجه على انتصاره عليه.

في الكتاب الذي من المفترض أن أقدم له ها هنا، مقالات كتبها نقّاد من شتى أرجاء عالمنا العربي تضيء على تجربة نبيل المالح، مثل الناقد الراحل المجيد سمير فريد، وأمير العمري، وعدنان مدانات، وناجح حسن، ورندة الرهونجي، وآخرين، إضافة لمقابلات مع المالح، وفيلموغرافيا، وتكريمات وصور، ونحو ذلك من عتاد توثيقي لتجربة المخرج السوري الكبير، وصولاً إلى ما كتبه المخرج محمد ملص عنه.

وكما كل كتاب فإن مراجعته أمر عسير وبالتالي فإن التوكأ على مقدمة الكتاب التي كتبها الناقد الراحل بشار إبراهيم المنشورة في هذا العدد أمر محمود، وكذا هي كلمة قيس الزبيدي بجلالة قدره التي حملها غلاف الكتاب، والتي أضعها هاهنا كاملة لتضيء لما ينتظركم في هذا الكتاب:

“كتاب يضم بين دفّتيه مسيرة مخرج – فنان طليعي اختار على مدى عقود أن يضع، كما يقال، سينما عربية، وهي على مفترق طرق، على خارطة السينما في العالم. مسيرة واجهت عقبات إنتاجية وصعوبات شديدة في مراحل تحقيقها المستمرة. وكما يبدو من شهادات أهم نقاد السينما، التي تبين، بعد غياب الفنان نبيل المالح أولاً عن السينما لعقود وبعد أن توقفت مسيرته الفنية والفكرية الإبداعية من كل الجوانب، تبين أنه حقق نجاحا حقيقيا في بعض الأفلام وأخفق في تحقيق سيناريوهات أفلام أخرى تعرضت للعقاب مرة هنا وأخرى هناك!

لم يكن لشغف السينما الإبداعي المهيمن على مساعي الفنان نبيل المالح أن يستمر لا في وطنه سوريا ولا في غيرها من مدن منفاه القسري. غير أنه قدم موديلاً لفيلم بديل عما هو سائد، ونجح في أن يلهم جيلاً من صناع الأفلام لينجزوا مهمة السينما البديلة، والذين واجهوا أيضا في الغالب عقبات لا تحصى: ذلكم هو قدر سينما عربية أرادت ولمّا تزل تحاول أن تضع بصمتها على خارطة السينما العالمية. ومع أن نبيل المالح صنع فيلمه الروائي الأول القصير “إكليل الشوك” حول قضية الشعب الفلسطيني، وصنع فيلمه الثاني متوسط الطول “مخاض” أيضا عن القضية الفلسطينية، إلا أنه أراد أن يشغل نفسه بصنع أفلام عن قضايا ومشاكل الوطن: أفلام كـ”الفهد” و”السيد التقدمي”، وفيلمه ما قبل الأخير “كومبارس” الذي بيّن فيه مشاكل مجتمعه الدمشقي، وعبر بشكل مبتكر عن كيف يمكن للسينمائي التعبيرعن “ماذا” الاجتماعي.

إشكالية إبداعية الـ “ماذا” و”الكيف” كانت شغف نبيل المالح: كيف نصنع سينما بديلة، تحقق لنا مكاناً في السينما الفنية والفكرية على خارطة السينما العالمية؟ يا لها من مسيرة ويا له من هدف جليل جعل الفنان النبيل منارة فنية وثقافية تضيء الطريق أمام أجيال من السينمائيين: لاحقهم وسيلاحقهم العقاب، ولابد لهم يوماً ما أن يحققوا مسعى وشغف الفنان نبيل المالح الإبداعي ومن هنا أتى ويأتي خلوده.

كتبت ابنته ايبلا في رثاء رحيله: “علمتنا الطيران قبل أن نستطيع المشي”، كان الطيران هواية نبيل في الحياة وكان يصيب من يحب بالعدوى بهذه الهواية.”

 

*****

خاص بأوكسجين

 

 

اسم الكتاب

نبيل المالح.. العين الثالثة

اسم الكاتب

قيس الزبيدي

عدد الصفحات

222

الناشر

دار خطوط وظلال – عمّان


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.