ميزان سين وميزان كادر
العدد 160 | 18 تشرين الأول 2014
قيس الزبيدي


جاء مصطلح “ميزان سين”  من المسرح وأصله فرنسي (mise-en-scène) ويقابله في الإنكليزية (Arrangement) وفي الألمانية (Anordnung) ويعني في العربية (ترتيب) الخطة الحركية على خشبة المسرح، التي تعنى بعرض الشخصيات وعلاقاتها بالمكان الفيزيائي. وقد اكتشف غرفث إمكانات الفيلم الفنية، وطوّر مبادئ مونتاج استمرارية السرد الفيلمي وطرقه عبر تغيير زمن الميزان سين  “المسرحي” الواقعي للمشهد إلى زمن الميزان سين (الفيلمي) الفني للمشهد. واكتملت أولياً طريقة السرد الفيلمي في بناء زمن الأحداث الواقعية المصورة، بحيث لم يعد زمن سرد الأحداث في الفيلم يتطابق مع زمن حدوثها في الواقع. 

 

 

 بينما اقترح  إيزنشتين  مصطلح ميزان كادر (mise- en- Cadre) بدل الميزان سين المسرحي، ويُسمى اليوم الميزان ـ صورة (mise- en- image): أي أسلوب نظام مشاهد تتألف من لقطات مختلفة تتقابل خطيا داخل مشهد واحد، كما تتعاقب المشاهد مشهدا تلوَّ مشهد، وأصبحت قانونية المونتاج تكمن في اختلاف لقطات مكان المشهد الواحد وتباين أحجامها وزواياها ومحتواها وحركتها، كما ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع الحركة التي تنشأ عن جمع لقطتين: حركة موجودة في اللقطة ذاتها، وحركة ناتجة عن جمع اللقطات التي ينتج عنها بناء المشهد، كوحدة مكوّنة لسياق الفيلم الفني.  تشكل في مجموعها بنية الفيلم الدرامية الكلية، لذلك يُفهم المشهد بعلاقته مع المشاهد السابقة ـ إلى ماذا يَسْتَند ـ وبعلاقته مع المشاهد اللاحقة ـ ماذا يُحضِّر؟

 

عرّف يوتكيفيتش الميزان سين في السينما أنه التعبير المكاني عن الفكرة. أي توضيح الفكرة بالعلاقة مع:

1. فيزيائية المكان

2. فيزيائية الشخصية

3. موقع آلة التصوير

 

علينا أن نفهم إذن أن فكرة ميخائيل روم المهمة  في  كون خصيصة الوسيط  الفيلمي تتشكل من عناصر مبعثرة في كل متماسك  موحد، وبأن هذا الكل يبدأ العمل عليه كأساس للفيلم  عند كتابة السيناريو الأدبي، ولهذا  لابد أن تتم عملية سرد الحكاية وتنظيم الأحداث وفقا لخيار زمني معين ونسب زمنية معينة. لأن الكتابة للسينما تواجه مسألة بناء الزمن مع خط زمن الحكاية، وخط زمن سرد الحكاية، ويتم الانتقال بين هذين الزمنين على أساس علاقات معينة مختلفة يجري  الانتقال فيها من نظام زمن الحكاية إلى نظام زمن سرد  الحكاية، ويكون موازياً تماماً. فثمة بالضرورة تدخلات في حبكة “القبل” و “البعد،. و مرد تدخلات السرد يأتي من الاختلاف بين الزمنين من حيث طبيعتهما، فزمنية الحكاية أحادية الجانب وزمنية السرد متعدد الجوانب. 

 

قاد اكتشاف المونتاج وتطوره إلى تغيير زمن الميزان سين ( المسرحي ) الواقعي للمشهد إلى زمن (فيلمي) فني للمشهد، يختزل فيه زمن الاستمرارية الواقعية إلى استمرارية فنية لا تلغي  السيولة في استمرارية الحدث، إنما يتم فيها انتقاء التفصيلات المهمة من الحدث التي يتألف منها المشهد السينمائي. وتصبح بهذا مهمة المخرج مختلفة عن زميله المسرحي فالمسرحي يعمل مع “الممثل” على الميزان سين وينظم حركة شخوصه في”زمن واقعي” في الزمن،  بما ينسق كل العناصر المرئية في مكان مستمر زمنياً.  بينما يعمل السينمائي بوساطة “آلة التصوير”، على التكوين التشكيلي للصور المتحركة وتنظيم علاقاتها في استمرارية الزمن الفني وبحول حركة الميزان سين إلى حركة ميزان- صورة تقوم في الجوهر بوظيفة عزل وربط للصور زمنياً.


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."