قصة هذا العدد
العدد 271 | 18 حزيران 2022
زياد عبدالله


وأنا أشتغل على هذا العدد العجيب قررت إحصاء  السجائر في منفضتي! أشعلت سيجارة واتخذت هيئة إحصائية ورحت أعدّها فإذا بها 17 سيجارة، استغرقت في تدخينها من الساعة 11 صباحاً إلى الساعة 6.34 مساءً، طبعاً الدقة مطلوبة طالما أنني اتخذت هيئة إحصائية.

ثم اكتشفت بعد أقل من أربع دقائق (أي في الساعة 6:39) – ولا جديد في ذلك على قناعاتي – أن الإحصاء أمر غبي، فلو تفقدت علبة السجائر التي فتحتها في تمام الـ 11 وأنقصت الثلاث سجائر المتبقية من عشرين (عدد السجائر الأبدي في العلبة) لكنت عرفت العدد دون الاستعانة بسبابتي وأنا أوجهها إلى السجائر المتوفاة في منفضتي وأتمتم بعدّها.

كل هذا حدث من تحت راس مراد السيد!

لا بل هو السبب في هذا العدد وقد أرسل لي أربع صور لدعايات سجائر في مجلات مصرية قديمة، واقترح عليّ أن تكون صور العدد الجديد من أوكسجين، فأيقظ عدداً خاصاً بالتدخين والمدخنين كنت اشتغلت عليه منذ أكثر من 13 سنة، وعدلت عن نشره حين لم تجتمع لدي سوى ثلاث مواد يعتد بها، وهي لسلاف عباس وخالد بن صالح وغالب سعيد، والتي ستجدونها في هذا العدد، رفقة خمس مواد أخرى جديدة شكّلت هذا العدد الذي يحمل رقم 271، وقد أرسل لي مراد 16 صورة لأختار منها.

ولابد لي هنا من القول إن مراد “لعيّب”! نعم هو كذلك! فحين نشرت له صوراً من أعماله في العدد 267 كتبت معرِّفاً به “فنان مصري”، عاتبني حينها بالقول أنا “لعيّب”، وهذا توصيف دقيق، وهو يرسل لي صوراً وأفكاراً وأعمالاً متعددة الوسائط، تارة يلعب على صور الأفلام وأخرى يستخلص الأرشيفي ويعيد الاشتغال عليه. يسجل أصوات القاهرة، ويمزج لقطة واقعية بأخرى مأخوذة من فيلم، وهو بذلك يصنع ما لي أن أسميه كولاجات سمعية بصرية فوتوغرافية.

مراد يرسل لي كل ذلك عبر “الماسنجر” وحده دون غيره، حتى أنني حين طلبت منه أعمالاً فوتوغرافية له أردتها بدقة عالية لاستخدامها طباعةً، لم يرسلها كما لو أنه لا يستخدم شيئاً في مراسلاته سوى “الماسنجر”.

مراد لعيّب بحق، وما أوكسجين إلا ميدان للّعب، ينمو ويزدهر كلما تزايد اللعب واللاعبين، وما اللعب إلا صنو الحرية وفيه النزوع الأصيل نحو الإبداع الحقيقي.

وهنا في هذا العدد عن التدخين والمدخنين، سيكون اللعب سياقاً حياتياً أولاً، بوصف السيجارة شاهداً شديد الالتصاق بالحياة، وكيف لا وهي ملتصقة بين الشفتين، والشاهدة على الفرح والحزن وما بينهما!

وبالعودة إلى ما بدأت به من إحصاء للسجائر التي دخنتها، فإن يومين باتا يفصلانني عن تلك البداية، غرقت فيهما في إعداد هذا العدد، وكتابة ما كتبت في “مشروع السيجارة اللامتناهية” وترجمة قصائد بوكوفسكي ونحو ذلك من مراجعة المواد، وعليه فإن إحصاء عدد السجائر التي دخنتها أثناء إنجاز ذلك أصبح ضرباً من المستحيل سواء اتخذت هيئة إحصائية أو وجودية أو لا أعرف ماذا ..فما همّي! حسبي أن هذا العدد خرج إلى النور.. يا للجمال!


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.