“فيلم كتير كبير” .. مخدرات وأفلام وسياسة
العدد 189 | 27 نيسان 2016
زياد عبدالله


“الناطف” لمن يعرفه توأم “الكرابيج” إلا أن هذه الحقيقة الوجودية يغيرها المخرج اللبناني ميرجان بوشعيا في “فيلم كتير كبير” – أولى تجاربه السينمائية – إذ إننا سنكتشف بأنه يمكن أن نأكل الخيار مع “الناطف” أن نغمسه به ونقرطه، في مشهد له من طرافة رجال العصابات في الأفلام الأميركية وحوار شيّق يجري بين تاجر مخدرات ومخرج سينمائي، يعرض فيه الأول إضافة مشهد على الفيلم الذي يصوره الثاني.

هذا المشهد الذي يدور في الربع الأخير من الفيلم له أن يكون وثيق الصلة بعنوان الفيلم الذي دفعني قبل مشاهدة الفيلم إلى اعتباره محتكما على مفارقة ما، وهذا ما تأكد مع مشاهدتي له، كوننا سنكون حيال فيلم “كتير كبير” بحق، من دون أن تكون المفارقة على اتصال فقط بتقشف الفيلم، بل لكونه يتصدى لملامح كثيرة من الحياة اللبنانية المعاصرة في سياق مشوّق وفي نجاة مؤكدة من أية كليشهات، كون مخرجه وكاتبه بوشعيا يصوغ كل ذلك في سياق الفيلم أولاً، وصولاً إلى انعطافته الكبرى في هذا السياق نفسه مبتعداً عن المتوقع من انتقام أو مآثر بطولية، إذ إن الفيلم يقول لنا من بدايته إننا حيال قصة تاجر مخدرات وصعود نجمه فإذا ببوشعيا يأخذه إلى مكان آخر، مكان كتير كبير له أن يكون بمساحة وطن.

يبدأ الفيلم من إقدام ثلاثة إخوة على قتل رجل. الإضاءة معتمة، ونحن لا نتبين من أقدم على هذا الفعل. سيتضح أن زياد (آلان سعادة) من أقدم على الجريمة إلا أن أخيه سيدخل السجن وسيخرج بعد خمس سنوات، وفي هذه الأثناء سيواصل زياد تجارة المخدرات من خلال الفرن الذي يملكه وأخوته، والطلبات التي تصل من الفرن تكون محمّلة بالمخدرات.

تؤسس هذه الطلبات لعلاقة زياد بالمخرج شربل (فؤاد يمين)، وسيكتشف زياد لدى شربل وسيلة سحرية لتهريب شحنات “كبتاغون” إلى أربيل، يكون زياد قد سطا عليها من موردي المخدرات الكبار، إذ إنه سيرى السينمائي اللبناني جورج نصر في فيلم وثائقي لدى شربل وهو يتحدث عن تهريب “الطليان” للمخدرات في علب الأفلام كونها لا تمر على أجهزة المراقبة في المطار لئلا تخرّب الشريط الذي تحتويه، وحينها يقرر زياد انتاج فيلم لشربل بحيث يتمكن من خلاله تهريب المخدرات كما فعل “الطليان”.

الانعطافة التي ذكرتها سابقاً تكمن هنا، بمعنى أن المنحى المشوّق في الفيلم يأخذ به نحو الواقع اللبناني بتجاذباته الطائفية ولعبته السياسية المهيمنة التي ستتيح لزياد أن يطوّع الفن لخدمة أغراضه وصولاً إلى دخوله اللعبة السياسية من باب المخدرات والفهلوية والزعرنة، الثالوث القادر بامتياز على أن يكون منصة للانطلاق في دنيا السياسية، ولعل تسلسل ذلك في لمسة كوميدية سيحمي الفيلم من أي مطبات أو أفكار مسبقة، لا بل إن “كيتش” قصة الحب بين مسلمة ومسيحي ستمضي في سياق بعيد كل البعد عن “الكيتش” وهي تطيح بسخافات طروحات هكذا قصة بالكوميديا والمواقف التي تقول ما تقول بالسخرية الأداة الأكثر تأثيرا وجمالاً في هذا السياق.

يؤكد لنا بوشعيا في هذا الفيلم أن بالإمكان صنع “فيلم كتير كبير” بأدوات صغيرة، حين يكون السيناريو متقنا وإدارة الممثلين محكمة مع مواقع تصوير محددة وكاميرا متقشفة ومونتاج حصيف وبالتأكيد مخرج يدير كل تلك العناصر – عناصر الفيلم الأساسية – ببراعة، كما لو أنه يروي لنا قصة نصّاب صغير في طريقه لكي يصير “عراباً” ضمن المنظومة اللبنانية بما دفع كوبولا أن يعطيه جائزة “النجمة الذهبية” في الدورة الأخيرة من “مهرجان مراكش السينمائي” التي ترأس لجنة تحكيمها.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.