عناصر السمعي الثلاثة
العدد 167 | 24 شباط 2015
قيس الزبيدي


يتسع حقل السماع ويصبح محسوساً أكثر، في الوقت الذي يكون فيه حقل الرؤية على الشاشة محدوداً، مع أنه يبقى في تصور المتفرج غير محدود. يعني ذلك أننا نشاهد ما يظهر على الشاشة بعيوننا فقط، وفي نفس الوقت نتصور أكثر مما نشاهد. أما ما نستطيع سماعه، فهو ليس فقط ما يظهر على الشاشة، إنما أيضا ما هو أبعد، وما لا يكون مصدره مرئياً.. وعلى هذا الحال ينشأ التضافر المتمم لكل منهما، فالصورة تعطي مضموناً حسياً، بينما تعطي الموسيقى، مثلاً، خلفيتها العامة: الصورة تعزل وتعيّن، والموسيقى تعمم، وتعطي نوعية تعبير عامة أو وصفية، وتوّسع بذلك مجال تأثير الصورة. 

في تحليل المستوى الصوتي للفيلم يطرح السؤال كيف تكون المستويات المنفردة للموسيقى والمؤثرات واللغة/الصوت في التجربة الواقعية الفيلمية والى اي درجة يكون كل مستوى متزامن أو لا متزامن وكيف ينجز كل مستوى وظيفته السردية؟

 

يتم التعامل في البنية الفيلمية مع أنواع من الصوت من خلال ثلاثة عناصر:

 

اللغة/الحوار 

المؤثرات

الموسيقى (بشقيها: الآلات والغناء).

 

وانطلاقا من التجارب، ليست هناك من فروقات ثلاث، إنما هناك حدود مشتركة (الصوت والنداء والأنين) صوت الآلة عند طبيب الأسنان هي مؤثر بينما صوت التوجع هو مؤثر ولغة التصفيق وصوت الأقدام في الدبكة هي خليط بين الموسيقى والمؤثر الصوتي. الخلفيات في المشاهد: في مصنع الآلات صوتها المسموع في غرف خارج مكان العمل الموسيقى الالكترونية تعيد مثلاُ إنتاج تلك الأصوات موسيقياً: صوت الآلات، صوت الآهات البشرية.

 

الحوار

 

مع أن الحوار يستند إلى اللغة الطبيعية، التي تشكل أداته الرئيسية في المسرحية، إلا أن اللغة المتجسدة في المسرحية تتمتع بخصائص شعرية، فهي سردية،وموحية و درامية. و على أساس هذه اللغة اكتسب الحوار سمو الفن الأصيل: “لكنه أيضاً فن بالغ الصعوبة وهو من أندر المواهب وأغلاها. و الكاتب الذي يقطع الصلة بين الحوار و تقدم أحداث المسرحية و الأحداث التي تصور الشخصية تكون كتابته غير درامية (…) فكل سطر من الحوار الدرامي يسهم في تطور الشخصية وفي بناء الحدث. فهو من جهة يدفع الحدث إلى الأمام، و من جهة ثانية يكشف عن الشخصيات وخواصها. وكل حوار لا يتصل اتصالاً مباشراً بنمو الدراما و تطورها يجب استبعاده”.

 

تتم قراءة الحوار في رواية بينما يتم نطقه في السينما من قبل ممثلين،ففي الرواية مثلا يتم وضع نقطة بين جملتين، بينما تتطلب النقطة في السينما من الممثل زمنية هي ثانية ويمكن أن تزيد. وفي فترة التوقف يتم التمهيد للجملة التالية _ من قبل الممثل _ بحركات الوجه. وكل أداء تمثيلي فيه إيماءات تتطلب وقتاً أطول من قراءة النص الأدبي البحت. وحسب الجمل المنطوقة والحالة النفسية، وعند هذه النقطة يتم التحوّل إلى الحركة التالية، مع مراعات أن طريقة الأداء التمثيلي تتطلب إيماءات وحركات زمنها اطول من وقت الزمن المكتوب، وبالتالي يرتبط الحوار بإيماءات الممثل وتنقلاته وأفعاله ويجب أن يرتبط بالجسد والفعل وعندما يكتب الكاتب مشهد يكون فيه ردة الفعل أهم من الفعل فإنه يستخدم الــVOICE OVER، بحيث لا يتطابق صوت المتحدث مع صورته، وإنما يزامن الصوت من خارج الصورة، الطرف الآخر / الشخصية الأخرى المتنصتة للحديث. وفي هذه الحالة تكون ردة فعل المتنصت بمثابة فعل درامي. 

 

المؤثرات

 

هناك تداخلات تحدث بين اللغة والمؤثرات، وبين المؤثرات والموسيقى،التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الحدث الدرامي وتعطي المخرج فرصة التلاعب بعنصري الصوت والصورة. في فيلم ساخر يأخذ المخرج صوت نقيق الضفادع ويعوض به عن كلام أحد الخطباء أثناء خطبته الملتهبة. 

مثال آخر: يأخذ المخرج الأصوات من قن دجاج ويرفقها مع صور تمثل عدداً من الناس يتحركون ويتكلمون بعنف وصخب.

المؤثر أيضاً يعطي تشخيصاً للمكان: صوت جهاز قياس ضربات القلب يشخص المكان فيدل على أن المكان غرفة العناية الفائقة في مستشفى.

 

الموسيقا

 

طبيعة الموسيقا دائماً مجردة، ومعانيها غامضة، وطبيعة الصورة دائماً ملموسة، ومضامينها محددة. لكن حين، تحدد الصورة بنية الموسيقا، وتعمم الموسيقا معنى الصور، ينشأ من تمازجهما  وحدة متكاملة. وتكون طبيعة الموسيقى بالتالي طبيعة ثنائية، فهي تدل، في نفس الوقت، على شيء ما يختلف عنها ، ألا وهو المكونات غير الموسيقية للفيلم. ومن هنا تنبثق مهمتها المميزة داخل كلية الفيلم ومن هنا تتحدد لها وظائف لا تحصى ولا تعد. وما دام المخرج السينمائي يتبنى طريقة البلاغ السينمائية الأصيلة، فإن عليه استعمال الصوت كعامل بناء في التكوين الصوري.


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."