“رجل يدعى أوفا”.. كوميديا الحب والانتحار
العدد 213 | 30 أيار 2017
زياد عبدالله


يضطرني فيلم “رجل يدعى أوفا” A Man Called Ove إلى استخدام توصيفات مثل إنه فيلم حافل بشتى أنواع المشاعر الإنسانية، أو أنه فيلم إنساني، وغير ذلك مما اعتبرها توصيفات فضفاضة أو مائعة، لكن هذه الاضطرارية ضرورية بما يدفعني للقول، وهل من شيء أهم من الإنسان أو الإنسانية في هذا الكون؟

عنوان هذا الفيلم السويدي الذي أخرجه هانس هولم (وصل القائمة الأخيرة من ترشيحات أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالانجليزية لهذا العام) يقود إلى تفكيك شخصية أوفا واستعادة حياته، ولتكون الكيفية التي جرى فيها ذلك السؤال السردي الأهم، والإجابة عنه تأخذ المشاهد إلى إدراك لما هو مأخوذ به إلى هذا الحد، والفيلم متمركز أولاً وأخيراً حول تلك الشخصية التي تحتل العنوان أي أوفا (رولف لاسغارد).

يطالعنا أوفا بداية بوصفه من هؤلاء الذي ينتمون إلى  ممن هم في خريف العمر الذين لا هم لهم إلا تنغيص حياة من حولهم (لابد أنكم حظيتم بواحد مثله حين كنتم صغاراً على الأقل) وكلّ همّه الحفاظ على النظام في المجمع السكني الذي يسكن بيتاً من بيوته، وقد كان عمدته فيما مضى.

هذه الصلافة التي يتحلى بها أوفا ونحن نشهد تسريحه من العمل بعد 43 سنة أمضاها في ذات العمل، ستتضح عبر “الفلاش باك” دوافعه أو ما يخفيه من ماض محتشد بالأحداث المأساوية، ولنكون حياله مع كل محاولة انتحار فاشلة يقدم عليها، وهنا سيتداخل الكوميدي مع المأساوي، هو الذي تركته الحياة يتيم الأم وهو طفل، ومن ثم والده الذي رباه وحيداً وما عانقه إلا حين نجا أوفا الطفل من الموت، وحينها بقي معانقاً له يوماً كاملاً.

يتأسس هذا الفيلم على سرد محكم، وتحويل أشد الأفعال الإنسانية قتامة – أي الانتحار – إلى أداة سرد وفعلٍ كوميديّ أيضاً. في أول محاولة انتحار يخبرنا أوفا أن شريطاً يستعرض حياته سيطالعه  كما هو متداول، إلا أن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو إصلاح جهاز التدفئة في بيت جاره، ولعل هذا المثال يصلح لأن يضيء على الروح الساخرة المحمّل بها الفيلم، وبالتأكيد قدرته على توليد الضحك والدموع معاً لدى المتلقي.

ستلعب العائلة التي ستنتقل للعيش في بيت قرب بيت أوفا دوراً رئيساً في الانعطافة الدرامية في حياته، وتحديدا برافانا المرأة الإيرانية المهاجرة (باهار بارس)  وابنتيها، لا بل سيكون فشل كل محاولة انتحار بسبب هذه العائلة، إلى أن يروي قصة حبه لزوجته المتوفاة التي ستكون دافعه الرئيس نحو الانتحار وكله تطلع أن يلتقي بها من جديد، حينها فقط يكون “الفلاش باك” آتياً من سرده لبرافانا، وبالتالي يتوقف عن محاولات الانتحار، ويتواصل الحاضر ويغيب الماضي. إنه الحب أولاً وأخيراً، حبه لهذه المرأة المدهشة ما يشكّل الدافع الأساسي لكل ما نشاهده في الفيلم، ولعل شخصية أوفا وحياته وقصة حبه وزواجه من تلك المرأة السحرية تدفع لأن يكون انتحاره بعد مماتها رد فعل منطقي جداً.

الفيلم مأخوذ عن رواية بذات العنوان لفردريك باكمان وهي “بست سيلر” ومترجمة إلى العربية، قرأت أول صفحة من هذه الترجمة فإذا بسيارة “ساب” هوس أوفا والحاضرة دائماً في الفيلم كعنصر درامي رئيس تتحول إلى سيارة من نوع “صعب” !!! فتوقفت في الحال عن قراءة هذه الترجمة.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.