تمارين روحية على الفشل
العدد 260 | 04 تشرين الأول 2020
زياد عبدالله


قالت إن الأمر لا يتعدى مرونة في الروح!

هي التي أكدت مراراً أن الجسد سيستجيب لا محالة ويمسي مرناً أيضاً.

وسألناها مراراً كيف للروح أن تمسي مرنة، هي التي لا تحتكم على عظام أو عضلات، لا بل لا نعرف ما هي أصلاً، وقد لا تكون سوى شحنة أو سيالة دماغية تافهة!

قد تكون تمارين مرونة الروح بالتأمل وهكذا ممارسات لا تتطلب سوى السكون وتبديد الوقت وتجريده.. وهكذا!

فسألت وماذا تعني “هكذا”؟

فقلنا هكذا.. هكذا..

فقالتْ هي الروح إذن!

وهكذا أمسينا روحانيين وحالمين نبدد الوقت في تأمل من يُسحقون، وكلما سحقوا أكثر اكتسبنا مرونة في الروح أكثر.

*

 

كان استخدامه كلمة “فشل” مثل أي كلمة يرددها على الدوام طيلة سنوات الخراب والدم المتواصلة مثلها مثل حرية وكرامة وثورة…إلخ وبدا الأمر شبيهاً بأن يرى مثلاً ذبابة فيقول إنها ذبابة، وحين تقترب من إحدى أذنيه يقول إنها تطن في أذني..

نعم لقد فشل في معرفة أن ما كان يقوله صدّقه الملايين ممن آمنوا بفشله.

وللأمانة فإنه رفض حتى استخدام كلمة “هزيمة”..

يا للشجاعة!

*

 

لقد أمسى صديقي مع تقدّمه بالعمر دونكي خوته حقيقي، على عكس المتبع في التحول إلى دراكولا أو فاوست مع ما يجلبه العمر من كوارث!

في كل يومين أو ثلاثة يتوصل إلى أمر عجيب فيه الخلاص التام، ويتوسع حلمه إلى درجة تخليص هذا الكون اللعين من غبائه وصلفه وظلمه، بأن تسود العدالة بأشياء يفترض أنها لا تنطلي على أحد، إلا أن الجميع باتوا فجأة يصدقونها، ومن لا يصدقها يُرجم بالخنوع والخيانة وصفات من هذا القبيل.

وهكذا صار يتقدم في العمر ويبتعد عن سانشو الذي كانه في شبابه.

قلت له: ألم تكن سانشو يا..؟

فقال: التطور الطبيعي لسانشو أن يصبح مثل سيده، وها قد نجحت في ذلك.

فطأطأت رأسي موافقاً وأنا أنظر مساحات الخراب التي خلّفها وارءه وهو يقفز من حمار سانشو ويعتلي صهوة حصان دونكي خوته.

*

 

– نحن في السيرك، أليس كذلك؟

– منذ زمن طويل ونحن فيه، الآن تبينت ذلك!

– لكن ما من عروض وكل شيء بالأبيض والأسود، ولاشيء مما درجنا على معايشته في السيرك

– نعم هو خيمة مترامية فقط وأقفاص، الكثير من الأقفاص

– فكيف إذن هو سيرك؟ ومتى أصبح كذلك؟

 – ومن قال إن السيرك ليس مسرحاً للمآسي!

– كيف له أن يكون كذلك؟

– يكفي أن يروّض المهرجون الحيوانات المفترسة، ولا يقوموا بشيء سوى الصراخ والنواح  ومن ثم الهرب. أليس هذا مضحكاً؟

– لا إنه مأسوي!

– إنها مأساة مضحكة بحق!

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.