تحت راية رامبو
العدد 233 | 14 تموز 2018
قيس الزبيدي


تأثر بازوليني في صباه بالشاعر رامبو، وتمنى أن يبحث، مثله، عن جميع أشكال الحب والألم والجنون. ولعله لهذا أصبح في حياته، ومماته، أكثر الشخصيات إثارة للجدل، وأخذ يحتل مكانة في الحياة الإيطالية الثقافية، يمكن مقارنتها مع مكانة سارتر في فرنسا.

تابع بازوليني دراسة تاريخ الفن والأدب، وحينما انتقل إلى فريولي، دفعه اطلاعه على نضال الفلاحين إلى الاقتراب من الماركسية. وبدت حيلته مع نهاية الحرب أكثر مأساوية، بسبب مقتل أخيه الصغير وحزن والدته وعودة والده الفاشي، منكسراً، من السجن. ومع أنه انضم في عام 1947رسميا إلى الحزب الشيوعي، إلا انه وضع لأسباب أدبية بحتة، منذ البداية، ميل الحزب للحكم على الأدب، من وجهة نظر سياسية، موضع التساؤل: “لأن أولئك الذين مع اليسار في الأدب، ليسوا دائما معه في السياسة!”

وفي عام 1948 اتهمه مناوئوه، جهاراً، بأفعال فاحشة علنية. ودفعوا باتهامه إلى القضاء، وقادت محاكمته إلى نقض التهمة ضده، لعدم كفاية الأدلة، لكن الضرر لاحقه، منع من التعليم وطرد من الحزب، وجاء رده على الطرد مؤثراً: “لم يدهشني غدر الديمقراطيين الشيطاني، غير أن لا إنسانيتكم تصيبني بالدهشة، لكني مع ذلك سأبقى شيوعيا»”. فضّل بازوليني غرامشي على ماركس، ولعبت أفكاره “دورا أساسيا في تكويني… وكان لأصدائها في داخلي تأثير حاسم”.

انتهت سيرة بازوليني، دائما، بالتوحد مع الأدب، وحققت له مجموعته الشعرية “رماد غرامشي” وروايتاه “أبناء الحياة” 1955 و”حياة عنيفة” 1959 النجاح، الذي كان يسعى إليه، لكن الفضيحة لازمته حتى في نجاحه، فقد عُدّت روايته الأولى، أنها من الأعمال الفاضحة. وأتاحت روايته الأولى له فرصة المشاركة في كتابة السيناريوهات وعمل مع فليني في سيناريو “ليالي كابيريا” وبعدها كتب سيناريو عن روايته الأولى لبولونيني وفي عام 1962 تم تفليم روايته الثانية.

تأثر بازوليني في “اكاتونه” و”ماما روما” ـ بطولة آنا منياني بالواقعية الجديدة، بعيداً عن سمتها العاطفية، وشارك روسلليني وغودار وغريغوريتي في إخراج واحدة من قصصه الأربع في فيلم “روغوباغ” الذي جمع عنوانه، حروف أسماء مخرجيه الأولى، لكنه مُنع في إيطاليا، وحُكم عليه بتهمة التعدي على الدين لمدة أربعة أشهر مع إيقاف التنفيذ.

إضافة إلى أفلامه “المسيح” و”أوديب ملكا” و”ميديا”، اخرج فيلمه الشاعري “طيور كبيرة وطيور صغيرة” الذي يُعد نقطة تحوّل في أسلوبه السردي. بعد ذلك سارت أفلامه في اتجاهين، أولهما: حكايـات مـن الأدب: “ديـكاميرون” و”ألف ليلة وليلة” و”حكايات كانتربري” الذي نال جـائزة الدب الذهبي في برلين، وثانيهما: أدب مؤلف خيـالي ومبتكر: “حظيرة الخنازير” و”نظرية” و”سادوم ـ1975″ الذي أثار فضيحة حادة، بسبب مشاهده الجنسية والسادية، ولم يسمح بعرضه إلا في بعض البلدان.

بعد مقتله الوحشي، كُتب تقرير رسمي يذكر، بالتفصيل، أن التهم غير الأخلاقية، التي لاحقت كتبه وأفلامه، والتي وصل عددها إلى 33 تهمة، تهم ملفقة ولا إثبات عليها مطلقا. ولعله كان في مقتله يردد مع رامبو: وحيداً، محاصراً بماضيّ أتململ لأفك حصاري منه، أطلقت كل القوى الشيطانية، وتحديت الأخلاق وأشكال العبودية.


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."