العزلة تفضل الشاي بالنعناع
أخبرت صاحب المقعد المجاور بعد تحية قصيرة بأن له وجهاً يصلح أن يكون صديقاً للجميع بخلافي تماماً. وأجبته على سؤاله الضمني (لماذا) بأني حملت معي الأمل من يوم إلى آخر ولم يخطر ببالي أني قد أنساه على الطاولة، وأنا أتفاوض مع القدر، وأني صفر لم يعد يحتمل ثقل حكايته التي بدأها ولم يعد قادراً على إنهائها، وبت أتسلى في عزلتي المحمولة على الأكتاف بصيد النوايا. وقد طال صمتي حتى صار الشق أسفل أنفي محاولة فم، فما عدت أحتمل أن أظل حبلاً مشدوداً بين أصحابي يعلّقون عليه لحظات قلقهم. بدا جاداً عندما تمنيت فناء الجنس البشري بسرعة لأن الدخان كان محاولتهم الفاشلة في محاكاة الغيم، وأنهم بلا استثناء جبناء يتركون الأشجار ويقطعون ظلها. وافترقنا بعد أن طلبت من صاحب المقعد المجاور أن ينسى هذا الهراء لأني قد لا أتذكره مستقبلاً، فعدا ما يختص بذاكرتي المرتعشة لا شيء يبدو أكيداً.
* * *
قميص الحياة المقلوب
لو أن صباح السبت يُجفّف كالمشمش، أو يكبسل كجرعاتٍ للمتعة، أو نلتقط له صورة باسمة ندسّها في جيوبنا..
لو أن النافذة المخلوقة من ضلع هذا البيت ترفرف بدرفتيها وتطير.
لو أن الخيوط التي تغادر شمسها صباحاً تصير آخر النهار تيناً وتوتاً وصيصانا.
لو أن الحجر يومض.
لو أن عمود النور يثمر.
لو أن البحر يتكلم، لو لم يكن فمه الكبير مملوءاً بالماء.
لو أن الحب لا يركل المفردة ويلحقها المعنى ويجري خلفهما العاشق لاهثاً.
لو أننا لا نهدر أصابعنا في تلويحات الوداع.
لو أننا لا نحمل موتنا إلى كل مكان نذهب إليه.
_____________________
كاتبة من السعودية
الصورة من أعمال الفنان التشكيلي السوري بسيم الريس
*****
خاص بأوكسجين