مسدس حقيقي حياة خرطوش
العدد 146 | 21 شباط 2014
عبود سعيد


كنت أجلس مرة مع صديقي على شرفة شقته المطلة على باحة مدرسة كانت لإحدى الكتائب المتطرفة 

وكنا نراقب شابين يروي أحدهما للآخر نكتة تنتهي بقفلة: إن لم تتزوج الثانية فالثالثة ثم الرابعة هاهاهاهاها

نظرت إلى صديقي الذي كان يقاسمني دهشة هذه الضحكة التي لا سبب لها .. 

_ أيعقل أن تكون جملة مثل (إن لم تتزوج الثانية فالثالثة ثم الرابعة) مضحكة لهذه الدرجة؟ 

_ إنهم يستغلون أي كلام ليفجروا ضحكاتهم على الله وعلى أنفسهم

_ يا رجل .. الحديث عن الزوجات لا يسمح إلا بهذا القدر .. بمجرد الدخول في التفاصيل يعني الدخول في النار .. 

لذلك يمكن أن يضحكوا على نكت مثل :

علقت مسبحتي بمسبحة زوجتي هاهاها.. 

إنه يوم الخميس .. هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاا

إن كيدهن عظيم هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاهاها .. 

 

إن لم تمت بقذيفة في سورية .. أو برصاصة طائشة .. 

وإن لم يخطفك رجل ملثم.. بلحية ظهرت فجأة في وجهه نتيجة شذوذ في الخلية

إن لم تمت في نكتة سخيفة .. فيمكن أن تموت في ألمانيا متجمداً من أجل سيجارة على البلكون 

أو تموت في مرحاض مبنى اللاجئين 

تموت كلما رن هاتفك على اتصال من سورية قبل أن تعرف المتصل

تموت من الحسرة 

تموت بمسدس تحمله فتاة كانت قد أخذت جرعة زائدة من الهرويين 

منذ ثلاثة أيام .. وأنا عائد برفقة صديقتي إلى البيت في وقت متأخر من الليل 

تشهر فتاة شقراء برفقتها امرأة كبيرة وكلب، مسدساً في وجهينا 

وتبدأ بابتزازنا:

_ أعطني ما تحمله من نقود!

يخطر في بالي أن تكون الكاميرا الخفية برفقة زياد سحتوت في آخر الليل كنوع من الفنتازيا غير المتوقعة بعدما أصبحت مكشوفة في النهار 

أنظر إلى صديقتي مبتسماً وانتظر اللحظة التي تنفجر فيها تلك الفتاة بالضحك معلنة أنها الكاميرا الخفية 

إنها الكاميرا الخفية بالتأكيد  .. فأنا في ألمانيا .. بلد الأمان .. 

الكلب ينبح وكأنه الآخر يريد نقوداً

لم يخفني المسدس بقدر ما أخافني الكلب 

طال المشهد ولم يظهر زياد سحتوت 

أبحث عن انعكاس ضوء في الظلام لأكشف عدسة الكاميرا .. لكن الفتاة تصر وتصيح وتضغط بالمسدس على صدري .. 

Give me money!

يبدو أنها ليست مزحة .. أو نكته سخيفة 

وآثار الهلوسة والمخدرات بدأت تظهر على تصرفاتها 

حاولت أن ألهيها بحديثي لكي ألمس المسدس فأتأكد إن كان معدناً أو مجرد لعبة بلاستيكية 

المسدس حقيقي..!!!

الكاميرا الخفية وهم ..!!

أخرجت علبة السجائر من جيبي ..وضعت سيجارة في فمها .. أشعلتها 

ثم أشعلت لنفسي سيجارة وقلت لها:

– اسمعيني جيداً .. أنا هارب من بلد .. كل ما يفعله المرء فيه انتحار

كل السيارات الواقفة مفخخة 

كل رجل يمشي في الشارع يرتدي حزاماً ناسفاً. 

كل حديقة زرع فيها قنبلة موقوتة.

كل طائر في السماء هو طائرة ميغ لكنها تظهر صغيرة بحكم العلو وستقصف بأي لحظة.

كل الناس المتجمعين في الأسواق .. في المدارس .. في الساحات العامة .. في الأعراس .. في بيوت العزاء.. في الجنازات .. هم عبارة عن كومبارس لمجزرة قائمة.

هل تحتاجين نقوداً ؟؟ 

طوال عمري أحلم بهاتف ذكي أضع فيه مقاطع موسيقية لنصير شمة وغالية بن علي.. 

أترين بنطالي الذي أرتديه؟؟ لن أغيره لسبع سنوات حتى يتمزق إرباً إرباً 

انظري إلى حذائي هذا.. وجدته هنا مرمياً على الزاوية .. وقلت لأصدقائي أنني اشتريته بثمانين يورو

أتيت إلى ألمانيا وفي ذمتي ثمن خمسٍ وسبعين علبة سجائر وآلاف الخطايا 

هل تعلمين..  أفكر أن نذهب معاً إلى الحديقة.. نترك صديقتي والكلب وهذه المرأة هنا، ونمارس الجنس في الظلام.. ثم أسرق من جيبك كل ما تملكينه من النقود 

وأرسلها لأمي لكي تشعل الصوبيا أو أشتري فيها أقلام حمرة لأختي 

نحن الشوايا نستخدم المكياج في الجنازات

نرتدي أجمل ثيابنا 

وترتدي النساء كل ما لديها من حلي ومجوهرات

ونغني وننعي بطريقة صوفية

ونطلق الزغاريد والهلاهل لكي تصل إلى السماء قبل أن تصل الأرواح 

..

ما زالت السيجارة بين شفتيها لكنها أسدلت يداها ولم يعد المسدس على صدري 

_ تريدين نقوداً؟؟ 

أنا بعت حبيبتي من أجل جرة غاز .. 

وأطلقت شاربي..

وتركت كرامتي عند أمي..

وأتيت إلى هنا 

أمي قذفت كرامتي في سلة المهملات .. 

ثم رماها أخي الكبير في القمامة .. 

ثم أتت الكلاب والقطط ونهشتها .. 

ثم يبست .. 

ثم حام الذباب حولها 

وما زلت أقسم أنها محفوظة 

..

انفجرت الفتاة بالضحك وكأنني حكيت لها نكتة

تذكرت الرجلين اللذين ضحكا على الزوجة الثالثة والرابعة

الفتاة تضحك وتضع المسدس على خصرها 

أندهش منها .. ما المضحك في الأمر؟

أيعقل أن تكون حياتي نكتة سخيفة يضحكون بها على الله وعلى أنفسهم؟

_______________________

شاعر من سورية

 

الصورة من فيلم “حصان تورينو” للمخرج الهنغاري بيلا تار

*****

خاص بأوكسجين


مساهمات أخرى للكاتب/ة: