ماء وظل وحديقة
العدد 239 | 16 كانون الأول 2018
ريهام عزيزالدين محمد


كان هناك يقف على الجهة المقابلة لباب الغرفة يطرق بمحبة

كنت أقف على الناحية الأخرى، اختبر مدى صلابتهم، محبتهم، صبرهم

هكذا أتيت إلى الحياة،

لابد أن تأتي المحبة قاسية، غليظة، وشحيحة

وحين لا تحدث فهي خطأهم، هم- فقط- لا يستحقونها

هكذا تمّ التدوين على حوائط بيت قديم

لابد أن نختبر الأشياء جيدًا

فالأشرار بالخارج ينتظروننا دومًا

أنيابهم تقطرُ دمًا

وهم بحاجة ل”دمٍ نبيل” مثل دمائنا المقدسة.

لابد أن أصنع بيدي الصغيرة أفخاخًا طيلة الطريق لاختبر كل شيء،

المحبة،

الصداقة،

المسافة التي تبدو حديقة ممكنة

لابد من اختبار كل شيء

هكذا أتيت إلى الحياة.

 

 

بكفي الصغيرتين انهمك ليلًا في بناء أفخاخٍ محكمة

يأتي النهار، أنسجها كعنكبوتٍ عاش ألف سنة يرتقب وصول فريسته

أهنئ نفسي على شراك

المعرفة،

المهارة،

والرؤية

وتصويب السهم في شغاف القلب بلا رحمة

أعود كل ليلة

الفخاخ تبتلع الجدران المعبئة بصدأ يتوارى عن أصابعي، غير أنه يتكاثر كل ليلة

اللون ينسحب ببطء كرجل أقعدته الحركة، غير أنه يود المغادرة دونما التفات

أمر على البيت، أكاد ألحظ استغاثة مكتومة

اكتمها بكلتا يدي، ثم أعاود الانهماك

يتوجب أن أصنع فخاخاً محكمة

الذئاب آتية لا محالة

هكذا أتيت إلى الحياة.

 

 

كان هناك طفل بعينين يملؤهما فرحٌ لم اختبره من قبل

يقف على الجهة المقابلة من باب غرفتي

يخبرني أن أنظر إلى تعرجات عروق ورقة شجر خضراء سقطت للتو في الخرج

وأن لأمها الشجرة تعرجات باللون البني على بطنها يتغنج كلما تدفق الحليب من ثديها

يكركر بصوتٍ أعرفه، ثم يستدعي السكينة لبرهة ليخبرني:

“خذي يدي ،

“خذي يدي،

“خذي يدي

سترين أن لنا جميعا مسارات متعرجة من التيه والالتقاء والكشف

وأن راحة يدك تتجذر لنفس العائلة”

أوصد الباب بقوة،

أنعق بصوت يرجف قلبه

“هذا هراء!!

الذئب قد يأتي في كل لحظة

يتوجب أن يكن لدي فخاخ كافية”

 

 

بالأمس كنتُ أنصب فخاخا جديدة على الطريق المؤدي للبيت

تعثرت برجلٍ شدني شدًا من ياقة ثيابي

أمسك براحة يدي بكل قوة

استدعيت حيلتي الطفولية القديمة في إدعاء الشجاعة

أن أحدّق في عينيه مباشرة

كان هناك سائلًا أخضر دافئ  يتدفق منهما

يخبرني بسكينة أن أكف عن الهرولة

“لا أحد هناك

لا شيء هناك

لا هناك على الإطلاق

ابقي هنا

لمرة واحدة وأخيرة

ابقي هنا”

كان شيئًا حقيقيًا ينبت من بين عينيه

تركت له راحة يدي

أخذها برفق

-دون أن يشيح بنظره عن وجهي-

أعاد كفي إليّ

أراحها على موضع قلبي

دون أن يشيح بنظره عن وجهي

السائل الأخضر المتدفق من عينيه برفق، انساب على ذراعيه

ككتيبة نمل تعرف جيدًا أين تسير

شيئًا فشيئاً

بينما يتمتم

“أما آن لهذا القلب أن يستكين

ابقي هنا

لمرة واحدة

وأخيرة

لا أحد هناك

لا أحد”

انساب النهر الحبيس من عيني لسنوات ممتدة

أغشتني السكينة

راحة يدي ما زالت تحتضن قلباً يرتجف

غير أني شيئا فشيئا فتحت عيني

كان حولي

ماء

وظل

وحديقة.

 

*****

خاص بأوكسجين

 


شاعرة من مصر.