لا شمس ساطعة لتلهب عينيّ
العدد 204 | 17 كانون الأول 2016
تيم الكردي


ما زالت الفكرة طفلة ملحّة، بدأت تتنفس للتّو وشرعت تنقب في جوفي بحثاً عن سبب لوجودها، لماذا أحب أكثر عاداتي سوءاً ! الكيانات الفارغة من الوقت والأمكنة شموس لا تنتهي، فيما أنا أنتظر مرور الغيمة الوحيدة الباقية حول الأرض.

ليس كأن مرورها سيغير شيئاً، بل تلك رغبة مدللة لا تحمل أي دلالة أو معنى كما كل قائمة رغباتي الأخرى، الحماقة كل الحماقة انتظار الهلاك الذي ستنزله الشياطين من السماء الفارغة، فهذا العالم أسوأ من أن ينتهي. اخترعنا الدعابات والهموم كسبيل وحيد لاستمرار بقاءنا، لكنني بعد كل هذا لا أملك إجابات لأمنحها مجاناً، ولا تملك الطفلة حكايات لا يعرفها الجميع، ولكنها تملك الحكمة اللازمة لتعرف بأن الأمهات جميعهن متشابهات ولا حاجة لأن تقصّ على الآخرين مرة أخرى حكايات ما قبل النوم الموحدة، تكتفي أن تقف إلى جانبي بعيدة عني بضع خطوات وهي تتابع الإشارة بسبابتها الصغيرة باتجاه الشعب الحالك الذي يزحف في السماء بعيون دامعة وبكاء صامت.
يُمنح الأطفال رأساً لحمياً مجعداً، يجعلهم يتأثرون بسهولة أكثر، فلذاكرتهم متسع أكبر، ينتظر التشوه والتضخم كخلايا تمتد إلى خارج الرأس، فيما يتعلق الكبر بامتلاك ذاكرة رديئة تحرم مالكيها من اللذة التي تمنحها الدهشة والألم، تنتظر منهم العمل بجد على تمزيق ما يخرج إلى الكيانات التي يحرمونها على أنفسهم.
قد تكون العقبة التي تمنعني من الاستمتاع بآلاف الشموس هي أن لا شمس ساطعة بما يكفي لتلهب عينيّ، أو ربما لعينيّ فجوة سوداء كبيرة تبتلع كل الأنوار وتطرحها إلى داخل ذاكرتي الهرمة، لذلك أنتظر أكثر الأشياء حلكة، فغالباً أكثرها حلكة هي أعقدها أثراً، غريبة حاجتنا إلى العنف والتطرف، السيوف أصبحت تعرض في المتاحف، المدافع تباع كقطع خردة، ويُكتفى بالشارب لتعليقه على صورة الجد المشوّهة بالأبيض والأسود. القوة اليوم هي حاجتنا إلى أكثر الأشياء قدرة على تحطيم أصنامنا وأحلامنا الترويجية المملة، سنقاومهم بالتلويح، وشراء مكانس صغيرة ملونة لمحاولة تنظيف ما تبقى من صخب الحطام، من المؤسف أن ننظف بمكانسنا المضحكة الغبار المحيط بالحطام والسعادة تمتطي وجناتنا أكثر حتى تمتلئ دماً، كأن قدرتنا على الاستمتاع بحرق أجنحة الملائكة بشاعرية أسهل من استمتاعنا بغنائها وحضورها الهادئ المتحذلق.
مع مرور الوقت أنتبه إلى أن كلًّ منّا يكتفي بغيمة واحدة، فيما تتناثر الغيوم كما نحن بلا نهاية. أتبع بسبابتي الغيمة مقلداً الأطفال دون أن أنهك نفسي بالبحث عن حكمة تقبع في رؤوس الأصابع. لا جدوى من البحث عن الحكمة في عالم يقدس المتهورين، فيما يلقي أصحاب الرغبات المدللة بأنفسهم إلى مستويات تسمح لهم بمراقبة الغيوم بوضوح والاعتناء بها شفاهياً، غيوم كهذه تقودنا إلى الظلال، تعبر كل الأماكن بنا، تتغلغل في أطرافنا وتكون أكيدة بأننا حيثما ترغب سنكون، هذه الظلال لن تراودك كحلم مزعج لأطفال غرقى، لن تراودك كحلم مضحك لرومانسيين حمقى، ستعرفها على الفور إنها كما يتوجب عليها أن تكون.
لهذه الغيمة اتجاه وحيد، كما رغبتي في الغرق، تتكاثف إلى الأعلى وتتركني غائراً في رثاء غير معلن، أدع تلك الغيمة تمر بلا قوة، الأمر السيئ أنها ستعود، والأسوأ ألّا تكون بانتظارها حيثما اعتادت أن تلاقيك.
تشرع الطفلة بالتقاط الغيوم جميعها ودفنها خلف البحار التي ندرسها على الخارطة، للغيوم صوت تراتيل لمحكومين بالإعدام يدركون جيداً فعلتهم، تعود الطفلة إلى جوفي من حيث أتت وترقد بسلام.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية.