كبسولات للموت والحياة
العدد 250 | 29 كانون الأول 2019
هبة الله السيد


 

النوم.. سلاحي الأخير الذي أحضره من تحت وسادتي حين تتحجر التفاصيل في رأسي، ويفر هاربًا فقدان الذاكرة المؤقت، منذ كنت في السابعة أو قبلها، كانت الليالي الصيفية تؤرقني ولا استطيع أن استقر في ركن واحد من حجرتي الصغيرة بشقتنا القديمة في حي السيدة زينب.

في الوحدة الصحية بالقرية، أراقب الناموسة وهي تلتصق بجلدي الخشن وتعب ما شاء لها من دمائي، لم أكن أشعر بألم، فعملية المراقبة كانت تفقدني التركيز والإحساس كأن الحواس جميعها توقفت في تلك الثواني.

 

ترى هل لو منعنا كل ناموس القرية من الإرتواء من دمائنا كيف سيكمل حياته إذن؟ عجيب أمر الموت، كلما أوصدنا في وجهه بابًا فتح هو العشرات، نتفاداه بكافة السبل، حتى باتت كل حركة وساكنة، ما هي إلا إيماءات بالرأس تأمره أن يبقى بعيدًا.. ماذا لو احضرناه إلينا وواجهناه ندًا بند!

 

أين النوم؟! .. كأنه في كهف بعيد أناديه فلا يأتي صاغرًا كما كان. رائحة العرق الممتزجة بغبار جدران الحجرة تجعل الدم يُضخ في رأسي متسارعًا. هذا اليوم يشبه يوم رحلتي الطويلة إلى قرية أبي في جنوب الجيزة، سيارات متهالكة وأجساد ضخمة تتدافع عليّ وتلصقني بزجاج إحدى النوافذ. كنت اشاهد الطريق عنوة بعينيّ اللاتي تعشقتا ولوح الزجاج المتسخ. والآن تعشقت عيناي بجدران الحجرة، رغم كونها فارغة من البشر والأشياء. أمضيت فيها شهوراً لا تُحصى ولم اتبين معالمها بعد، كل شيء هنا رمادي كألوان البيوت في القرية حين تهب رياح “أمشير” فتقلبها رأسهًا على عقب.

 

ساعات مرت من بين أصابعي، تسللت خلسة لتشب خارج إطار سنوات عمري كأيام “النسيء”، لا أعلم أي ذنب اقترفته لأجلس في هذه الحجرة الضيقة شحيحة الأوكسجين، كل ما في الأمر أنني أعطيتهم “كبسولات الموت”، فتحت لهم أول أبواب الحقيقة. كانوا يتسارعون إلى الوحدة الصحية القابعة على أطراف القرية، التي دفعني إليها أبي دفعًا لأعمل في الصيدلية الملحقة بوحدتها، بعد أن تخرجت من كلية الصيدلة بالقاهرة. هذه تشكو من آلام المفاصل لبقائها واقفة خمس ساعات أمام “الغسالة” اليدوية، وآخر فقد زرع “فيرس سي” أولى ثماره في كبده المهترئ، حين كان واقفًا على رأس حقله يراقب أداء فلاحيه، فإذا بأجراس إنذار تقرع أمعاءه، جاء إلى الوحدة كقماشة مُرقعة بالية أطرافها.

وذلك الصبي الذي يودع عقده الأول، تعب من ملاسنات زملائه في المدرسة بسبب النقطة السوداء التي تتوسط رأسه، قالت له أمه أنه ولد بها وسيموت بها، فجاءني ليلًا قائلًا “يا عم عايز أغلب أصحابي وأزيل النقطة السوداء.” أخبرته أنني صيدلي ولست طبيب تجميل. لم يقتنع وبات ليلتها أما بوابة الوحدة.

 

ماذا أفعل أمام كل هؤلاء، هل أكمل مسيرة الطبيب المختالة والمخادعة، أخبرهم بأن هذا الدواء سيطيل أعمارهم ساعة.. اثنتين.. ربما شهور!  قررت حينها أن ألجأ إلى كبسولات دأبت على تجريبها طوال السنوات الأخيرة بالكلية، كنت انتظر انتهاء اليوم الدراسي فأتلصص على المعمل، أضع في جيب حارسه المبلغ المتفق عليه، شريطة أن يتركني أربع ساعات دون أن يزعجني بأسئلته السخيفة. خمسة فئران كانو ا رفاقي في هذه الرحلة، انتظرت حتى مات الفأر الخامس، بتأثير مادة “الفينلبرونالامين” التي أضعها بكميات كبيرة في الكبسولات فتسبب سكتة دماغية تقتل في الحال. حينها شعرت أن بيديَّ قوة تضارع قوتي روسيا والولايات المتحدة العسكريتين، من يملك القوة تصبح الدنيا كدمية تتراقص فوق كفه مذعنةً.

 

لكنني كنت أحضر الموت للفئران فقط، مازلت مكتوف اليدين أما هدفي الحقيقي. حتى رأيتها أمام مبنى الكلية تنتظر صديقتيها، كان آخر خميس في العام الدراسي الأخير، أين كانت كل هذه السنوات؟ أحببتها حد الجنون كعادتي مع أي شيء، عرفت من صديقي محمد بعدها أنها أعلنت خطبتها على ابن خالتها موظف الأوقاف منذ شهرين، ثارت الأفكار برأسي، أهذا ما يحدث لي حين أقع في الحب للمرة الأولى.. لِمَ أنا دون غيري، بقيت على عهدي بها، أحبها رغم كل العوائق التي تحيل دون أن نكون معًا.

أحيانًا يبالغ الحب في قسوته، يمضغ الروح دون رحمة فيقطتعها جزءًا جزءًا بين أسنانه حتى تشف وتهترئ، فلا تعود كما كانت ولا يستطيع الحنين أن يتسلل إليها مجددًا، تزهده ويزهدها، فنقف نحن في المنتصف لا العودة تشفي، ولا الوصول يجدي.

نعم زهدتها وكرهت خيالها الرشيق وهو يتمايل بين المدرجات وفي الكافتيريا. أوقفتها لنتعرف وآخذ منها أوراق المراجعة، وضعت يدها فوق جبينها الذي أنذر بصداع قادم، فاستأذنت في الرحيل، لم اشعر بيدي وهي تخرج من جيبي الخلفي شريط الكبسولات وضعت واحدة في يدها وأحضرت لها كوبًا الماء، أخبرتها أنه سيريحها من الصداع أبدًا وقد كان..

 

كانت هي أول إنسانة أجلب لها الموت أسفل قدميها! لم يشفع لي حبي واحتراقي شوقًا لانتزاعها من بين الزملاء، حقًا الحب من طرف واحد أشد ألوان الجحيم فوق الأرض، وأنا ذقته، تجرعته بيديها البضتين.

 

مات الصبي وتقلبت السيدة صاحبة المفاصل المفككة في سريرها حتى أعيتها السكتة وقتلتها، وصاحب “فيرس سي”، تململ ليلة سمره في بيت عمدة القرية، فحمله الخفر إلى منزله ليسلم روحه في صباح اليوم التالي. لا أعلم حتى الآن من مات بكبسولاتي ومن لم يذقها بعد، حتى أني لا أدري كيف عرف الأمن ذلك، من وشى بي وأنا من أردت أن أريح البشر من شرور وكذب الأطباء!

 

تتزاحم عليَّ الذكريات دفعة واحدة، يبدو أن الليلة ستقدم لي رأسي كشف الحساب، للبدلة الحمراء مفعول سحري، في ثناياها يسكن الموت، فكلما جن الليل انبعثت رائحته منها، لكنه مازال عالقًا بين خيطين، أشعر به ينقر بأصابعه صدري ويستأذن للخروج، في حضرة هذه البدلة الفاقعة تزيح النفس الغبار عما مضى.

 رأسي أوشكت على الإنفجار، قضاة وجلادون يستقرون في منتصفها، يتهامسون فلا أسمعهم، أريد أن أدافع عن نفسي فإذاه بسوط يتهاوى على ظهري فيدغدغ عظامي.

 

أخبرني العسكري أن حكم الإعدام سينفذ عقب إجازة عيد الأضحى، سأكون أضحية اليوم الخامس أو السادس.

يا لحماقتي.. لماذا لم أحضر معي الكبسولات، واحدة فقط كانت ستقتل قضاة رأسي وجلادها، ومن الصوت الصادر من أنف العسكري، وتحرر الموت من قيد الخيطين.

 

الكبسولة الأخيرة

 

يبدو أنها ليلة ليلاء، لا نوم اليوم، تمرد هو الآخر عليّ، صدقوا من قالوا إن الليلة في السجن بدهر كامل، صوت عقارب الساعة في يد عسكري “النوباتجي” تسلل إلى رأسي كالحية، فتلدغها كلمها انتصفت، أو وصلت إلى الحادية عشر وإحدى عشرة دقيقة، اتذكر جيدًا هذا التوقيت تحديدًا، وبسهولة أستطيع أن أحدد نغمة العقرب حينها المختلفة تمام الإختلاف عن بقية فصول الإيقاع الممل، في مثل هذا التوقيت جئت إلى هنا، سجن “أبو زعبل”، كنت ومازلت أبدو مختلفًا عن بقية النزلاء، جميعنا أرقام، صرنًا أرقامًا، أنا نزيل 11، 11 مرة أخرى!! كدت انسى اسمي الذي وضعوه في خزانة الملابس التي حضرت بها إلى هنا، قميص أحمر وبنطال أزرق، ساعة جلدية سوداء، وحذاء أسود مهترئ، واسمي.

 أنا الآن “نزيل 11″، فقط، لكني مازلت مختلفًا، يناديني الحاج “أحمد تأبيده” بالحكيم، وكذلك صبيانه، محمود وحسين، اللذان لم يقترفا ذنبًا في حياتهما غير أنهما عملا لدى أحمد، صاحب دولاب الحشيش الشهير في خرابة عزبة أربعة ونص بضاحية الحي العاشر في المدينة التي كانت جديدة. لا أعلم حتى اليوم هل هما صديقين أم أخوين أم ماذا، هكذا قذفهما القدر في حياة بعضهما البعض، كما قذفني أنا في حياة صديقهما الثالث “عطية” الذي مات بفعل كبسولات الموت، احضروني لأتبين سبب الوفاة، فقلت إنها سكتة دماغية، قلبية.. لا أتذكر، ما اتذكره أنني أعطيته آخر كبسولة كانت معي.

 

مازالت عقارب ساعة العسكري علي تنخر في رأسي، و”شخير” أحمد تأبيده يزاحمه ليحتل مكانه هو الآخر، يفضل دائمًا أن ينام قريبًا مني، بصفتي – من وجهة نظره – “آخر الرجال المتعلمين!”،  منذ شهرين من اليوم، حين وطأت قدماي أرض الزنزانة الرخوة، بفعل تكرار التبول فوقها، دار بيني وبين تأبيده حديث لن أنساه ما حييت، وظلت رائحة النشادر تصعد وتهبط وتهيم في قفصي الصدري، أخبرني أنه “كبير العنبر”..

– محسوبك عزرائيل عنبر 8

.- وأنا عزرائيل قرية منقباد في أسيوط

 -وحسين عزرائيل بيتهم بحي السيدة عائشة، ماتت أمه حسرة عليه حين هجرها وارتمى في أحضاني.

.-علمته السرقة وشرب الحشيش!

– علمته يوسع نشاطه..يصبح عزرائيل حي.. اثنين.. ثلاثة!

.- غريبة فلسفتك.. لكنها سليمة.. جميعنا ملائكة موت في هذه الحياة

جميعنا أسباب وفاة وليس حياة، نحيا مرة واحدة، ويتصارع العشرات من أجل سلب تلك الحياة منا وكأنها حق مشروع ومباح، أنا كنت أقتل من أرى في معتقدي أنه يكفيهم هذا القدر من الحياة، وليفسحوا مجالًا لقوم آخرين، وأنت تقتل وتمعن في القتل البطيء، لتذيق الآخرين من كأس تخشى أنت تجرعه، وحسين قتل والدته، لأنه حلم وتمنى، وكثيرًا ما تتحول أحلامنا إلى مطرقة حديدية، تدك رؤوس كل من يعترض طريقنا نحوه، حتى وإن كان سبب إعتراضه الإحتفاء بما وصلنا إليه، جموح وجنون يا ريس تأبيده، وفي النهاية نتحول إلى رسل موت!

 

– أنا لا افهمك يا جدع إنت، مالي أنا وجموح الأحلام، خمس سنوات في الزنزانة لا أحلم.. عن أي أحلام تتكلم؟!

أعطيته ظهري حينها وتصنعت النوم. هربت من سؤاله. أي أحلام أتحدث عنها في هذا الصندوق الحجري المظلم معظم الوقت، وكيف لهذا التأبيده أن يفهم ما أقول، الغريب أنه لم يسألني يومًا السؤال المعتاد في مثل تلك الحالات، في أي قضية أتيت، يستعيض عنه بسؤال عن ضحاياي، هو يشعر أنني جئت في حادث قتل خاطئ، كأن القتل في أحيان أخرى قد يصيب.. مثلًا!

بعد شهرين عاد ليطرح السؤال ذاته، بعدما أنهينا الاستراحة في الحديقة الملحقة بالسجن.

– من هم الذين قتلتهم لأنهم اخذوا ما يكفيهم من الحياة يا حكيم؟!

.- أتصدقني لو قلت لك أن عدد كبير منهم ما رأيته إلا مرة واحدة وأنا اأقتله!

 -إزاي!!

.- وهل يطرق عزرائيل بابك إلا مرة واحدة في الحياة؟

– معلوم..

 

منذ ذلك الحين لم يعد يسألني، أمضي معظم الوقت معه أعلمه القراءة، ويعلمني دروسًا في الحياة، ليصبح السجن بفضل تأبيده تهذيباً وتأديباً ودروساً في فقه الحياة. نستيقط في حوالي السادسة، يتولى حسين مهمة إيقاظي، بسكب كمية لا بأس بها من المياه على وجهي، ينادون علينا لنذهب إلى قاعة الطعام، وفي كثير من الأحيان نأكل في الزنزانة، طعام تحضره “لوزة” ابنة تأبيده أو زوجها الأسطى حمادة، نأكل ما شاء لنا، ثم نشرب الشاي، ويبدأ العمل الشاق، من لديه “أورنيك الذنب” يا ويله من العسكري  إبراهيم، أما أنا ولأن أيامي في عنبر 8 محدودة، حيث تفصلني شهور قليلة عن الحجرة الفريدة، “حجرة الإعدام”، الجميع هنا يعلم أنني أقضي أيامي القليلة لذلك يدللونني ويسهرون على راحتي. يقول تأبيده إنني بطل، لأن الموت هو الذي ينتظرني ولا أنتظره، الموت كل يوم يبحث عني في حجرة الإعدام وفوق “الطبلية” فلا يجدني، يجلس القرفصاء في أقصى الحجرة، عساني آتي في الليلة التالية.

– لو يعرفوا إن المحكوم إعدام ده إنسان خارق للعادة !

.- كيف يا معلم؟!

– ينتظره الموت ولا ينتظر هو لحظة واحدة.. على طبلية الإعدام الموت جالس منتظرك يا بني..

.- لكن أنا أيضًا انتظره، بأمر القاضي..

– طول عمرك قاضي للموت.. اعكس الآية وتكون صاحب السلطة..

.- أنا لا أهابه، صادقته مدة سنة، كان مثل الخاتم بإصبعي..

– وهو هابك.. لما افتكرك احضرت معك كبسولتك.. فاكرني لا أعرف كيف مات صبيي عطية!.

.- بالسكتة القلبيةَ يا معلم..

– لا أبداً..بقبضة أيدك..

.- لم أقتله..

– كبسولاتك فعلتها..

 

أصبحت انتظر الليل، لنتجادل أنا والمعلم أحمد تأبيده، يسبر أغواري ويفتش عني. لم يحصل على قسط كافٍ من التعليم، لكنه يقرأني ولا استطيع الهروب إلى داخل جلدي، أو خلف زجاج نظارتي مثلما كنت أفعل دائمًا، أمرر ساعات النهار الثقيلة، في مراقبة شعاع الشمس وهو يتسلل من بين القضبان الحديدية المثبتة في أعلى حائط الزنزانة الأيسر، أعد الزخات التي ينفثها في وجهي، أغمض عيني، فأراهم حولي وقد تلونوا بلون الشمس، يهيمون في فضاء واسع، فأفيق على صوت تأبيده “قوم يابني نتغدا”.

الغداء عادة دسم وعامر بكافة أنواع البروتينات، تأبيده يطعمني ويلقمني اللقمة، يريد أن ألتقي في حلبة مصارعتي مع الموت وأنا في صحة وعافية.

– كل يابني أريدك وحش بيغالب الموت!

.- الموت يأتي كطعنة سكين من الخلف، مش هيعطيني فرصة أواجهه

– ستواجهه.. أنت صديقه وما في أصعب من أن يتحول الصديق لعدو.. تصبح الحرب عفية ونارها لا تنطفئ.

.- الموت صديق غادر، أروضه ليطعنني في ظهري.

-أنت روضته وربيته ودربته، ليوم اللقاء فوق الطبلية!

.- لا.. حسبته سيريحني مثلما أرحت به الكثيرين.

-كُل.. ستقاومه.

سمعت حسين يتهامس مع النزيل رقم 122 الذي لا أعرف اسمه، أنه سمع أحدهم يقول إنني “مخاوي” جني، قتلت مائتي رجل وسيدة وطفل وطفلة! جربت جميع أنواع البشر، كنت نبي الموت في الأرض. هذا السبب كافِ ليجعلهم يخافوني. لا أحد يتحدث إليّ سوى المعلم تأبيده، وحسين حين يسألني أجائع أم أريد كوب الشاي. جميل أن تصبح بفعل الخيال أسطورة يخشاها الجميع، يحيكون حولي عشرات القصص، حين يجافيهم النوم في ليلة حارة معبأة برائحة النشادر، يتهامسون ثم يشيرون نحوي، فأعرف أن الحكاوى قد نُسجت، يواسيني تأبيده عادة، متحججًا بضيق عقلهم وقلة خبرتهم والفراغ السحيق الذي يزوم حولهم ويضيق الخناق على رقابهم.

.- أنا لست غاضبًا منهم يا معلم..

– قلت لك الموت صديقك، انعكاسه في عينيك يرعبهم..

.- لكني لم احضر أدواته معي.. تحفظت عليها النيابة، إلا واح…

– سمه تسلل لجسدك.. استنشقوه في رائحتك ورأوه بأم أعينهم، وهم قليلو الخبرة.. حسبوك سفاح..

.- أنا كذلك بالفعل!

– لا أنت عبد الآمر.

.- أنا الناهي والناجي.

– والقدر!

.- مزقت صفحاته..وكتبتها بيدي من جديد.

-لِمَ قتلتهم يا ولدي؟!ّ

.- جاءوني طالبين عمرًا مديدًا، وصحة تعوضهم ما أُهدر.

– ولم لم تعطهم!

.- أنا آخذ ولا أعطي.. أؤمن بأننا نحيا مرة واحدة.. قتلت الأنانية والجشع فيهم..كنت أريد أن أعلّم الجميع أن الحياة واحدة والموت واحد، وحين نستشعر إقترابه، نتشبث بالحياة أكثر، عند هذه اللحطة، لابد للقلب أن يتوقف عن الحياة، لابد أن يقولوا لا.. لم يقولوها فكنت أنا بوابتهم للعبور إلى خصم تحاشوه كثيرًا، وضعتهم أمامه وأوصدت البوابة.

عجيب أمر الموت، كلما أوصدنا في وجهه بابًا فتح هو العشرات. نتفاداه بكافة السبل، حتى باتت كل حركة وساكنة، ماهي إلا إيماءات بالرأس تأمره أن يبقى بعيدًا.. سألت نفسي كثيرًا.. ماذا لو احضرناه إلينا وواجهناه ندًا لند!

– لكنك أحضرته لهم وليس لك يا ولدي.

.- أردت ان أراه في عيونهم، في نبضاتهم وهي تذبل وتخفت، أعينهم وهي تحدق بي متوسلة أن أعيد إليهم الحياة التي أقبض عليها بين أصابعي.

*****

خاص بأوكسجين

 


كاتبة وصحافية من مصر.

مساهمات أخرى للكاتب/ة: