في مصنع الرأسمالية الكبير
العدد 270 | 03 حزيران 2022
فتحية الصقري


 

لا أحدَ يكبَرُ

كلُّهم أطفالٌ

يغضبونَ بسرعةٍ

ولا يفكِّرونَ سوى في اللعبِ

لا يهمُّ مِن أينَ وكيفَ

المهمُّ أنْ تظلَّ اللعبةُ قابلةً للفَكِّ والتركيب.

 

ستدخلُ بتمهُّلٍ

مرتاباً وخائفاً

لكنَّكَ في نهايةِ المطافِ ستسقطُ على وجهِك.

كلُّهم مراهقونَ

يدفعونَ البابَ بعنفٍ

غيرَ آبهينَ للأشياءِ

التي تقعُ وتتهشَّمُ

من رغبةٍ طائشة.

 

لن ينفعَكَ الانتباهُ

لن ينفعَكَ الحذَرُ

كلُّهم صيَّادونَ

يبدؤونَ

بخطَّةِ بيْعِ الأوهامِ

والالتهامِ الأنيقِ

ثمَّ ينسحبونَ

بأعيُنٍ مُغْمَضةٍ

وأيدٍ ملطَّخة.

 

ستقفُ في منتصفِ الطريقِ

بلا صوتٍ يساعدُكَ على طلبِ النَّجْدةِ

كلُّهم بُدائيُّونَ

يُهْرَعُونَ لتقطيعِ شجرةٍ

من أجلِ نارٍ مؤقَّتةٍ

تشوي غزالاً برِّياً

قتلوهُ بدافعِ الشَّبَّع.

 

في هذه المدينةِ الرماديَّةِ

ستدهسُكَ عجلةُ البَلادةِ بسرعتِها الزائدةِ

كلُّهم ممثِّلونَ فاشلونَ

يكرِّرونَ المشهدَ ذاتَه:

رجلٌ بملابسَ عربيَّةٍ قديمةٍ

يتقدَّمُ نحْوَ النَّهار

بوجهٍ عابسٍ

ليغرسَ سيفَه 

في قلبِ الشمسِ

ثم يعودُ مفتخراً بانتصارِه

في نهايةِ المَشْهَد.

 

ستسقطُ في الفخِّ

مخدَّراً بخُدْعةٍ

كلُّهم يرتدونَ وجهَ المطر

بادئَ الأمرِ

وعندما يبدأُ الجميعُ بالغِناءِ

 يبدِّلُونَهُ بسرعةٍ

وجْهَ الجفافِ

وجهَ التقشُّفِ

وجهَ الصحراء. 

 

كلُّهم يُتقنونَ لعبةَ الاختفاءِ السريعِ

بعدَ العَشاءِ الدَّسِم.

 

لا تستعملْ يديْكَ

لا تستخدِمْ قلبَكَ

كلُّهم بواجهاتٍ اجتماعيَّةٍ برَّاقةٍ

تسمحُ لهم بتخريبِ الحقولِ

حينَ يذهبُ الجميعُ للنَّوْم.

 

كلُّهم يرقصُونَ بنفسِ الحِذاءِ

في الحفلةِ التنكُّريَّة.

 

كلُّهم يعملونَ في مصنعِ الرأسماليَّةِ الكبير.

احفظْ لغةَ التُّجارِ جيِّداً

اسحقْ بهدوءٍ

ولا تنسَ النظرةَ الباردة.

 

ستنتظرُ طويلاً

على طاولةٍ مستديرة

لكنْ لنْ ترى أحداً

كلُّهم جبناءُ

لا يستطيعونَ المواجَهةَ بالحوارِ

يغادرونَ برؤوسٍ مَحْشُوَّةٍ بالأوهامِ

والحقائقِ المُشَوَّهَة.

 

لنْ تعرفَ الفرقَ

كلُّهم مقلِّدونُ بارعونَ

خرجوا بدرسٍ واحدٍ

طريقةِ كسْرِ الأشياءِ بعدَ الحصولِ عليها 

بحرصٍ شديدٍ

بدقَّةٍ متناهيةٍ

بلا ارتجافٍ

بلا تذبذُبٍ

أو رفَّةٍ في الجَفْن.

 

في هذه المدينةِ الضبابيةِ

لا توجدُ قوانينُ

سكَّانُها متشابهونَ

يتهرَّبُونَ من دفْعِ الضرائبِ

يغيِّرُونَ أسماءَهم وأَسِرَّتَهم باستمرار

لا يستقرُّون في بيتٍ

ويحفظونَ طريقةً واحدةً للفِرار.

لا يُجيدونَ الطَّبْخَ

ولا غسلَ الأطباقِ

لكنَّهم يستمتعونَ بتناوُلِ الطعامِ بشهيَّةٍ مفرِطةٍ

يغادرونَ بسرعةٍ

لكنَّهم في كلِّ مرَّةٍ

يَنْسَوْنَ المفاتيحَ على الطاولةِ:

أطباق الطعامِ المتراكمةِ في حوضِ الغسيل.

اللمباتِ المكسورة

الأواني المحترقة

أقلامَ الرَّصاص

وحاوياتِ القُمامةِ المكشوفةِ في غُرَفِ النَّوم.

 

* * * * *

خاص بأوكسجين

 


شاعرة من عُمان. صدر لها: "جمهور الضحك"" 2016، و""أعيادي السرية"" 2014، و""قلب لا يصلح للحرب"" 2014، و""نجمة في الظل"" 2011."