فنارات
العدد 273 | 14 تشرين الأول 2022
سلطان محمد


 

 

فنار 1

 

 

لو أنني فنارٌ في وسط المحيط

يلطمني الموجُ وتطمئن النوارس لي

لو أنني فنارٌ

يتغنى بي التائهونَ

ولا يعلمون أنني تائه مثلهم

أغمزُ للغيب ولا يرد على تحرُّشي البريء

كغانية تفضّل القصور على الفنار

لو أنني فنارٌ

أحكُّ الليل بعيني وفي النهارات أنام

أكتبُ القصائد عن العزلة

أمتدح الوحيدين

أهجو ناطحات السحاب البعيدة

وأقول عن نفسي أنا متنبي المعمار

أنا العالي والطويل

لا الماء يهدُّني

لا عويل الريح يُخيفني

لكنني أخشى العمَى

وأكره الأقمار الصناعية وخرائط غوغل

أنا رب الضائعين الماديُّ

أتحمّل الملحَ من أجلكم

وأنتم تذهبون إلى الافتراضي الوهميِّ

لا جديد يا بني آدمَ

ألستم من هدَمَ الأصنام من أجل الله؟

 

فنار 2

 

 

لا أخاف على السمك والحيتان

حين ينشف البحر وينقلب إلى بَر جاف

ولا على الأخطبوط الذي سيموت ولن يعرف المشي

لا أخاف على الحبّار الذي لا يكتب أصلًا

ولن أخاف على البحارة والقراصنة

ولتذهب البضائع وسلاسل الإمداد إلى الجحيم

مع البواخر واليخوت

كل ما أخاف عليه هو الفنار

الفنار الوحيد

الفنار الوحيد الذي سيزداد وحدةً بدون البحر

من سيُسليه غير الموج؟

من سيغسل عن قدميه، كزوجة حنونة، تعبَ الوقوف، سوى الملح؟

بلا بحر لن يصير الفنار برجًا ولا قلعةً

لأن الفنار، كالإنسان، ليس البُنيانَ

إنه العَينُ، مثلهُ مثلنا، العينُ التي تغمزُ للبعيد

وتحاول الإبصار في المجهول

كي يصلَ الآخرون!

 

فنار 3

 

عندما سَكِرَت مجموعة من المهندسين في إجازتهم

على الشاطئ

فكروا أنه يلزم للبحر بعض الأوتاد

قالوا لكن البحر لن يطير كالخيمة

لكنه قد يطير لو قررت كل الحيتان أن تتشقلب معًا

في نفس اللحظة

قالوا إن هذا غير مقنع

وعلى الأغلب هُو أثر الخمرة

سألوا أنفسهم هل نحن مهندسون حقًا؟

وشككوا في جدوى عملهم

اكتأبوا فأفرطوا في الشراب

ثم قفز واحد منهم قائلًا

بلى، البحر تلزمه بعض الأوتاد بالفعل

لأن البحر لا شيء بدون البحارة

ليس سوى ماء وملح

لو ضاع البحارة فسوف نُضيع أكثرَ الخريطة

عارضه أحدهم وقال لكن البحر أسماك أيضًا وبعض الغدْر

فكّر ثم قال:

لا، السمك هو الصيادون والصنارة هي الغدر

ثم نظروا إلى بعضهم بعضًا مسطولين وقالوا بصوت واحد:

هيا نبن فنارًا!

 

*****

 خاص بأوكسجين


شاعر من السعودية.