عمتي في ورطة
العدد 222 | 15 تشرين الثاني 2017
خوليو كورتاثار


ضياع و استعادة شعرة

          لمحاربة البراغماتية و النزعة المتوحشة  الراكضة وراء تحقيق مكاسبها، اقترح ابن عمـــــــي الأكبر الخطية التالية؛ انتزاع شعرة سليمة، جعل عقدة في وسطها، وإسقاطها بلطف في ثقب  المغسلة، إذا تعلقت الشعرة في الشبكة المركبة عادة على الفوهة المذكورة، يكفي أن نفتح الصنبـــــــور قليلا، لتختفي الشعرة عن الأنظار.

          في الحال يجب البدء بالعمل لاستعادة الشعرة، تقتصر العملية الأولى على إزالة سيفون المغسلة، لمعرفة ما إذا كانت الشعرة عالقة في خشونة الأنبوب، في حالة عدم وجودها هناك، يجب فتح مقطع الأنبوب الذي يمتد من السيفون إلى قناة التصريف الرئيسية، بالتأكيد سنجد الكثير من الشَعر، وينبغي الاعتماد على مساعدة العائلة لفحصه شعرة شعرة والبحث عن العقدة. في حال عدم ظهورها، ستواجهنا مشكلة كبيرة، تتعلق بإمكانية تدمير القناة حتى الطابق الأرضي. يقتضي ذلك بطبيعة الحال تضحيات جسيمة، حيث يتوجب العمل طيلة ثمان أو عشر سنوات في وزارة أو شركة تجارية، لتحصيل المبلغ اللازم لشراء الشقق الأربع الواقعة تحت شقة ابن عمي، وطوال هذا الوقت لن يفارق خيالنا الفكرة المتسلطة أن الشعرة ربما أصبحت خارج الأنبوب، ومن المستبعد جدا بقاؤها عالقة في إحدى تشققات الصدأ.

         سيأتي اليوم الذي نكسر فيه قنوات جميع الشقق، و طيلة شهور سنعيش محاطين بالجفنات والأواني الممتلئة بالشعر المبتل،  وكذلك المتعاونون والمتسولون الذين سندفع لهم بسخاء، للقيام بالبحث والفرز والتصنيف، وجلب كل ما يشتبه أنه شعرة، حتى يتحقق الهدف المنشود. إذا لم يظهر للشعرة أي أثر، سندخل في مرحلة أكثر غموضاً وتعقيداً، لأن القسم التالي سيقودنا إلى قنوات الصرف الكبيرة للمدينة. بعد شراء الألبسة الخاصة سنتعلم الولوج في أسفل خزانات الصرف الصحي في الساعات المتأخرة من الليل، مزودين بالمصابيح الكاشفة وأقنعة التنفس، ونقوم باستكشاف الأنفاق الكبيرة والصغيرة، بالاستعانة قدر الإمكان بالغوغاء الذين سنتصل بهم، مخصصين لهم حصة من الــــمال الذي سنكسبه في الوزارة أو الشركة التجارية.

         كثيرا ما سينتابنا شعور أننا وصلنا إلى نهاية المشوار لأننا سنعثر أو سيجلب لنا بشعيــــــــرات تشبه  تلك التي نفتش عنها، وبما أنه لا توجد حالة معروفة لشعرة لديها عقدة في وسطها من دون فعل فاعل، نقرر في نهاية المطاف أن العقدة التي نحن بصددها ليست سوى مجرد ورم في الشعرة، أو ترسبات صوانية، أو أكسدة ناتجة عن البقاء طويلا على سطح مبتل. من المحتمل أن نمضي قدما عبر عدة أنفاق الصغيرة والكبيرة منها، إلى حيث لا يرغب أحد بالولوج؛ أنبوب الصرف الكبير الذي يصب مباشرة في النهر، الرافد الغزير للفضلات، حيث لن يسعفنا لا المال ولا القارب، ولا أية شراكة لمواصلة تنقيبنا.

 لكن قبل ذلك، وربما حتى من قبل؛ على بعد أمتار قليلة من الحوض، ربما وجدنا الشعرة، مثلا، أعلى شقة الطابق الثاني، أو في قناة الربط الأولى الموجودة تحت الأرض، يكفي أن نفكر في الفرح الذي سيغمرنا، في الحساب المغري للجهود التي سندخرها بضربة حظ، من أجل التبرير و المطالبة، و حتى فرض تعميم هذا التمرين الذي يتوجب على كل مدرس نزيه أن ينصح به تلامذته في وقت مبكر بدلا من تحجير عقولهم بالقاعدة الثلاثية أو معركة أزينكورت.

 

عمتي في ورطــــة

لماذا لدينا عمة خائفة للغاية من السقوط على ظهرها؟ لقد مرت السنين والعائلة تحاول علاجها من وسواسها، لكن حان الوقت لنعترف بفشلنا الذريع. مهما قلنا أو فعلنا العمة تخشى أن تنقلب للخلف وهوسها الساذج يقلقنا جميعاً ، بدءاً من والدي الذي يرافقها بشكل ودي في كل مكان، ويراقب البلاط حتى تتمكن العمة من السير بارتياح، بينما تجتهد أمي في تنظيفه عدة مرات في اليوم، وتلم أخواتي كرات التنس، أبناء عمتي يمسحون كل أثر تسببت فيه الكلاب أو القطط أو السلاحف، لكن من دون جدوى. لا تقرر العمة الانتقال بين الغرف إلا بعد تردد طويل، و استطلاعات مباشرة لا تنتهي، وتوبيخات شديدة لكل طفل تسول له نفسه المرور في هذه الآونة، بعد ذلك تضغط على قدمها و تقوم بتحريكها مثل ملاكم في الحلبة، لتحمل القدم الأخرى ثقلها في مشية كانت تبدو لنا في طفولتنا مهيبة، مستغرقة عدة دقائق لقطع المسافة من باب إلى آخــــــــــــــــر. هذا شـــــــيء فظيع.

حاولت عائلتي عدة مرات أن تستوضح عمتي عن خوفها من الوقوع إلى الوراء، في المرة الأولى واجهتنا بصمت حاد، غير أنها ذات ليلة بعد أن تناولت قدحا صغيرا من الكحول بالبرتقال، تسنى لها أن تلَمِّح من أنها إذا سقطت على ظهرها لن يكون بإمكانها النهوض. بمجرد إبداء ملاحظةٍ أولية أن عدة أفراد من العائلة سيهبون لنجدتها، قاطعتنا بنظرة آسيانة و كلمة واحدة “ولو”. ذات ليلة، بعد مرور بضعة أيام، دعاني أخي الأكبر إلى المطبخ، وأراني صرصورا مقلوبا على ظهره تحت المغسل، تابعنا بصمت عراكه المضني والعقيم لينتصب من جديد على ساقيه، فيما كانت تعبث صراصير أخرى، رغم فزعها من الضوء محتكة بالصرصور المنقلب. ذهبنا للنوم، ينتابنا شعور بالأسى. ولسبب أو آخر، أقلعنا عن استجواب العمة بشأن ذلك الأمر، واكتفينا بمساعدتها قدر المستطاع، بمرافقتها في كل تحركاتها، وإسنادها بشراء عدد من الأحذية المانعة للانزلاق وأجهزة مثبتة أخرى.

 

خصائص مقعد

يوجد لدى جاكنت مقعد مريح للموت.

عندما يشيخ أحد ما، يطلب منه يوما الجلوس على هذا المقعد الذي لا يختلف عن أي مقعد آخر بغير النجمة الفضية الصغيرة التي تتوسط الحشية، الشخص المطلوب يتنهد، يهز يديه كما لو يرفض العرض، ثم يجلس على المقعد ويموت.                               

الأطفال المشاغبون دائما ، يستمتعون أثناء غياب والدتهم، بإجلاس الزوار على هذا المقعد، وبما أن الزوار لا يفوتهم معرفة ذلك ويدركون أنه لا يجب الخوض في هذه الأشياء، يتطلعون إلى الأطفال محرجين ويعتذرون بمفردات لا تستخدم في مخاطبة الأطفال، مما يزيد من تسليتهم. يجد الزوار دوما العذر لتفادي الجلوس لكن ما إن تعلم الأم ذلك عاجلا أم أجلا حتى تنهال الضربات على الردف مدوية، أثناء الذهاب إلى النوم. رغم ذلك لا يتراجع الأطفال، ومن حين لآخر ينجحون في الإيقاع بأحد الزوار السذج وإجلاسه على المقعد. في مثل هذه الحالات يتظاهر الوالدان بالجهل، مخافة أن يتوصل الجيران إلى معرفة خصائص المقعد والمجيء لاستعارته ليجلسوا عليه أحد الأقارب أو الأصدقاء. في غضون ذلك، يكبر الأطفال و يجيء الوقت الذي  من دون معرفة السبب يفقدون الاهتمام بالزوار والمقعد، ويتجنبون حتى الدخول إلى الصالة بالقيام بجولة عبر الفناء، والوالدان اللذان طعنا في السن الآن، يقفلان بالمفتاح باب الصالة، محدقين مليا في أطفالهم كأنهم يريدون قراءة أفكارهم. يشيح الأطفال بنظراتهم متذرعين بحجة الذهاب للنوم أو لتناول الطعام. في الصباح الأب أول من يستيقظ ليتفحص ما إذا كان باب الصالة مغلقا جيدا، ما إذا كان أحد أبنائه قد قام بفتحه لرؤية المقعد من حجرة الطعام، لأن النجمة الفضية الصغيرة تشع في الظلام وترى من كل زاوية في حجرة الطعام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصص من مجموعة: Cronopios y de Famas

***** 

خاص بأوكسجين