على حافة فيلتر الماء
العدد 142 | 09 أيلول 2013
فرح محمد


“فوضى الطبيعة ليست سهلة الصنع أي خطأ سيكشف يد الإنسان فيها”. 

في الآونة الأخيرة أشعر بأني أشبه مجد، ذلك الولد الذي شعر بالوحدة لحظة خروجه إلى هذه الحياة، فألصق عينيه على كل شيء رآه و سيراه.

يأكل مجد فتلتصق عيناه بالخبزة، يلعب فيحرز الهدف بعينيه، يركض فتتدحرج عيناه على الطريق.

أنا مصنوعة من مادة بلاستيكية غير قابلة لإعادة التدوير، لن أصبح شجرة أبداً. 

و الأمهات اللواتي صلبن الأصفر والأحمر والأخضر على قماشة تصل حد ركبتهن، كنت مخطأة عندما ظننت بأن لديهن جذور، لأن فساتينهن تعلق على عتبات الأبواب كما أولادهن… لا تدخل ولا يدخلون البيت.

في أحسن الأحوال وإن استشهدت عن طريق الصدفة ستغطي صورتي فراغ حائط أحدهم، و لكن لن يصبح لي جذر أبداً.

أتمسك بالعديد من الجمل لكي أتنفس، جملة للشهيق وواحدة للزفير. 

“كل المياه بلون الغرق”

“الشعراء الرديئون وحدهم يشعرون بالحرية”

“الحب استراحة متعبة”

أعلّق البحر من أذنيه على حافة فيلتر الماء كي أسبح، و أتذكر أيام كنت سمكة سعيدة.

“كل المياه بلون الغرق”

أرش الأرز حولك و أثرثر علك تحبني وتعيد جذري إلى طوله الأصلي. 

“الحب استراحة متعبة”

أجمع كل ما أتذكره من كلمات في قطرميز مخلل، و أنتظر سبعة أيام لينتج شعراً. 

“الشعراء الرديئون وحدهم يشعرون بالحرية”

كل هذا لا يصلح للتنفس، و حدها معاتبة الله تجدي 

فوضى الإنسان لا يمكن أن تحاكي فوضى الطبيعة، خطأ حتما سيكشف يد الله فيها

***

وَرَم

بطني متورم، يقولون بأني حامل فأغص، إجرام كبير أن أكون سبباً في قدوم كائن إلى هذه “المعمعة”.

سيقلد طريقة كلامي، و سيتطبع بطباعي السيئة منها و الجيدة و هو أمر سيئ.

كيف سأسمح له بالخروج و أنا أحلم إلى الآن بأن نكون أنا و أنت واحد، و عندما أذكر بأننا اثنان أغص و أبدأ بالبكاء حتى تعلق اللقمة في بلعومي. 

من المرعب أن يكون لهذا الطفل شغف بالكرز، فالشهوانية مع التلوث البيئي والمجتمعي ستنتج لوناً أحمر مسود و هو لون بشع.

ومعرفة هذا الطفل بوجود الكواكب والمجرات لعنة ستلاحقه طيلة حياته، لن يستمتع بأكل البوظة فالبوظة عادية أما المجرات فمليئة بالمكسرات، هكذا سيقول حتماً لنفسه فهو ابني و انا أعرفه جيداً.

سيحب ابنة الجيران الجميلة و يئن لأن هذا ليس عدلاً بالنسبة لابنة الجيران البشعة، سيحب السفر ويفكر بقسوة أن يكون هنالك دول و بلدان عديدة و جزر غير مكتشفة بعد يستطيع أن يحلم بها كلها و هو قابع في غرفته. 

وسيحزن عندما يقايض الدوران حول العالم، بمعرفته لتغير مزاج حبيبته من طريقة تسريحها لشعرها.

سيحزن أكثر عندما يعلم بأن دول العالم الثالث تختلف اختلافاً كبيراً عن بقية الدول، وبأن الهند على الرغم من فقرها تستمتع قليلاً لأن لديها مهرجاناً يدعى بمهرجان الألوان، أما بلاده فالجنون فيها يقتصر على تدخينك سيجارة في الشارع مثلاً، ومن ثم تلقي الشتائم على فعلتك هذه.

وعندما سيكبر سينظر دوماً إلى الفراغ بين شجرتين بحسرة ويتمنى لو أنه يبني سريراً هناك لكي يتأمل النجوم من جديد و يصغي لأصوات الزيز، بدلا من أصوات الحرب.

سيحب الرسم ويدوخ كلما رأى لوناً، سيحب الكلمات ويثقب بها أذنيه، وسيسمع الموسيقا ويبكي كلما لامست نغمة جزءاً مفقوداً من روحه، ثم سيرميها كلها في القمامة عندما يدرك بأن الرسامين لا يشبهون الرسم و الشعراء لا يشبهون الكلمات ولا العازفين يشبهون ولو قليلا الموسيقى….

بطني مازال متورما و أنت صامت اما أنا فأهذي… تقول لي ماذا لو تغيرت البداية؟

ماذا لو لم يقلدك ابنك؟

غصة أكبر تصيبني.. فسيناريو جديد لا يشبهني هو أقسى ما يمكن أن يحدث.

________________________________

كاتبة من سورية

 

الصورة من أعمال الفنان التشكيلي السوري طلال معلّا

*****

خاص بأوكسجين