شعرة بيضاء على جدار غرفة نوم الرئيس
العدد 202 | 10 تشرين الثاني 2016
محمود عبد الدايم


في العام الثالث للزواج انقطع خيط الحديث.. رسائل متبادلة.. رتيبة.. تذكره بميعاد تتوقع أنه تجاهله.. تمنحه قائمة طلبات البيت.. وعندما تكون في أحسن حالتها.. تخبره أنها تحبه… في الغالب لا يرد… يكتفي بأن ترى إشارة أنه التقط ما أرسلته.

الثانية عشرة… يمرر مفتاحه في القفل.. يدخل.. جالسة هي دومًا منشغلة.. تنهي استعدادتها للنوم.. يمرر التحية بصوت محايد.. تردها إليه بنبرة معدنية.

عشر دقائق.. تتركه وحيدًا في الغرفة.. يبدل ملابسه في ستٍ منها.. ينظر للمرآة خمساً وخمسين ثانية.. ويعد ملابس يومه الجديد في ثلاث دقائق.. ويضع هاتفه المحمول على الشحن في الثواني الخمس المتبقية.

روتين أحبه هو.. باركت هي محبته تلك للاختفاء في الدقائق العشر، العشاء لا يكون مهما إلا إن طلبه.. وإن لم يطلب بعد انتهائه من رحلته بين محطات الأخبار.. تمنحه كوب شاي نصف بارد.. تضع الماء على نار هادئة في الحادية عشرة وخمس وخمسين دقيقة، الثانية عشرة وتسع دقائق تنتهي من إعداد المشروب.. الثانية عشرة وتسع عشرة دقيقة تضعه أمامه مرفقاً بجملة:

“ليلتك سعيدة”.

أووووف.

تخرج منه قبل أن تغلق باب غرفة النوم.. يقصد أن يسمعها الصوت.. تقصد أن تتجاهل زفرته الحادة.. تلقي نظرة على وجهه وتنام.

دقق النظر للمرة الثالثة في المرآة.. تأكد أنها شعرة بيضاء نبتت في غفلة منه على جانب ذقنه الأيسر… ملقاط الزوجة لم يفلح في إزالة آثار جريمة الزمن.. تحرك قليلًا في غرفته.. تنام زوجته في غرفة ثانية مذ جاءت بوليدها الثاني.. تنحنح قليلاً.. علها تستيقظ.. طرد فكرة الذهاب إليها.. التحدث معها عن شعرته البيضاء.. هى امرأة تجيد إحصاء عدد السنوات.. تعترف بـ”زمن الشعر الأبيض”.. هو على الجانب الآخر من الكون.. حياته دائمًا كانت في المربع صفر .. ولهذا لم يهتم يومًا بالمسائل الحسابية.. فصفره صفر في كل المعادلات.

الثالثة فجرًا.. لم يعقه تأخر الساعة عن النزول.. المعادي هادئة نهارًا.. مميتة ليلًا.. جيب معطفه الممزق في الجانب الأيسر منحه لحظة سعادة.. قطعة حشيش تجاهلها طوال أسبوع بعد قرار “التبطيل”.. انتحى ركنًا قصيًا.. وما هي إلا ستون ثانية.. وانعكست نيران سيجارته على وجهه.. تذكر الشعرة البيضاء مع النفس الأول.. وفي الثاني الأزمة انقلبت لنكتة أضحكته.. في الثالث التقط هاتفه من جيبه الأيمن.. وحدثها:

– “طبعا.. ما يرقد الليل مفتون.. لازم تكونى نايمة”.

من الجانب الآخر أتاه الصوت ناعسًا بعض الشيء.. تعرفه هي لا يطلبها إلا في وقت الأزمة.. أزاحت يد رجُلها القابضة علي جسدها.. ارتدت على عجل ملابسها وأسرعت للحمام.. طلبت منه أن ينتظرها.. أفرغت معدتها.. “الترجيع” عادة يعيدها إلى توزانها.. دخلت تحت الدش.. تعرف هي أنه يحبها في أية حالة.. لكنها لم تقبل أن تحدثه يومًا وعلى جسدها بصمات رجل آخر.. أنهت حمامها سريعاً.. أعادت طلبه.. لم يرد..!

كررت المحاولة.. لا تمل هي من مطاردته.. ولا ينفر هو من حبها.. أجابها في المحاولة الرابعة، كان صوته يشير إلى وصوله لأعلى درجات الانتشاء..

أٌحبك.. أنتِ خطيئتي التي ستدخلني الجنة.

قالها وصمت..

بادلته الصمت صمتًا.. فأكمل:

لو فاضية ممكن نتقابل.

نظرة خاطفة اصطدمت بجدار غرفة النوم.. وبابها المغلق.. التزمت الصمت.

أسند رأسه المتأرجح على سور المستشفى العسكري.

عارفة.. أنا ساند راسي على أوضة نوم الرئيس.

صمتت .. فأكمل:

عملت أنا ثورة وهو عمل ثروة.. تفتكري يبقى تعادل..؟!

لم يعطها فرصة لترد بصمتها المتوقع.. أجهش في البكاء.. نحيبه أيقظ فرد الحراسة القابع في برج المراقبة.. تبادلا النظرات.. ألقى إلى الأعلى بسيجارة، التقطتها يد الحارس برتابة المعتاد على الأمر.. اطمأن لوصول سيجارته فوضع يديه على فمه وأكمل نحيبه في صمت.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب وصحافي من مصر.