سراب القيمة
العدد 198 | 05 أيلول 2016
علي بهلول


هناكَ دأبٌ حقيقيٌ للوصولِ إلى القيمة، لإثباتها، لحيازتها كثير من الأحيان، لاستصدار صك ملكية بها، حتى أولئك الذين يتحدثون عن اللاقيمة في الحياة، يُريدون أن يعتبر الناس كلامهم قيّماً.

***

اللغةُ ترميز العالم الخارجي، تفسيرُ ما نراه، تأويله، توثيقهُ بالشبهِ المنطوق، تجسيد الوهم مشفّراً، ثم منح مفاتيح التشفير للعامة.

اللغة وهمٌ متداول، مشروع، هكذا مضينا على ما وجدنا آباءنا عليه.

***

كل ما لا يُبَوِّبه المعجم يُعتَبَرُ إعجازاً، أو هرطقة، وهمٌ متفوقٌ محمود، أو متمرد شاذ عن النسق، يحدث هذا أيضاً، أن يصير الوهم معياراً للواقع، لأن الغريزة والحواس لا تكفي، لابد من تبرير، والتبرير براعة اللغة في محاصرة ما هو فطري، ترويضه، ومنحه قيمة تستند إلى دوافعه/ مبرراته.

***

قد يحدث أن يطلب منك موظف في دائرة حكومية، وثيقة تثبت أنك على قيد الحياة، مع طابع مالي، وشاهدين لا يعرفونك، هذا في المؤسسة، أما العالم، الأرحب، والأوسع، فإن شيء لا تعرفه اللغة/ المؤسسة لن يتوقف عن الوجود.

***

أيضاً يحدث أن تُنهي حياتك عنوة، حسناً، كلمة ميت لا تكفي، علينا أن نحدد قتيل أم شهيد، أن نجد مكانك الجديد في المعجم، وإلا تُهتَ وتُهنا معك.

مكانك الجديد يحدد قيمتك، مكانك الذي تفترضه اللغة، اللغة وحدها من تحوز أحقية التكهن بالغيب، وتأثيث العدم بما يليق بقيمة سكّانه.

***

اللغة/ الوهم أساس القيمة التي تدأب للوصول إليها، القيمة التي هي ترجيح كفة الاحتمال بين الأضداد، بثقل الدباجة والادعاء.

***

حتى هذا الكلام، لا يعدو كونه حشد “مبررات” لخرس جماعي، يوماً ما، حين نتوقف عن احتمال عبء “القيمة”.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية