حوار مرتجل على بوابة الحرب المشرعة
العدد 221 | 29 تشرين الأول 2017
ميشرافي عبدالودود


– إلى أين أنت ذاهبٌ يا أبي؟

– إلى الحرب يا ابنتي

– أين توجد الحرب يا أبي؟

– تَبْعُد عن سكينة قريتنا

عن غرقدٍ ينبت في الغياب

 مسافة خمس سنوات ونصف

– إنها سنوات عمري بالتمام

– وُلدتما معا في هُياج قمرٍ واحد

قمرٍ دموي تعجّل إغراق العذارى

في بركة المغيب

– خذني معك يا أبتي

– لازلتِ صغيرة يا بنيتي

– كبرتُ يا أبي

بمسافة الحرب عن قطْلب قريتنا

بعمر حمامٍ بريّ يقطع طول الفداحة

في خمس ساعاتٍ و ريشةٍ منزوعة من الجناح

تتهادى في أرجوحة الهواء قبل الهبوط

يمكنني أن أتسلق شجرة التوت

يمكنني اصطياد الفراشات

يمكنني التجول بين مقاصير الفطر العالية القباب

– لا توجد في الحرب أشجار توت للتسلق

لا توجد فراشات تركضين خلفها

لا توجد مقاصير للفطر عالية القباب

– ماذا يوجد هناك يا أبي؟

– شيء مشينٌ لا يفعله غير الكبار

– أعرفه يا أبي

– ماذا تعرفين ؟

– عيبٌ يا أبي

– قولي و لا تخافي؟

– بِالأمس كنت ألعب الحبل بمفردي

تحت زقزقة عصافير ولدت للتوّ على الغصون

بينما كنت أرفع ساقي اليمنى عاليا في الهواء

اقترب مني رجل غريب يرتدي حذاءا ثقيلا

أعطاني سكاكيرا و أخرج من شق سرواله…

– ثم ماذا ؟

– لا أتذكر شيئا آخر

سوي عصفور مغرد أراني إياه

أعلى الشجرة

– هل مسك بسوء؟

قولي و لا تخافي؟

– لم يستجب الحزام الجلدي للمراد

طوقته الكلاب من جميع الأزرار

– عودي إلى البيت و لا تغادري

– أريد أن أرافقك يا أبي

– الحرب لا يفعلها غير الكبار

ألا تفهمي؟

– هل تريد أن تقول يا أبي

الحرب فعل الذكور بالإناث

فلماذا تذهب أنت إلى هناك؟

سأخبر أمي حالما تعود من السوق

– عودي إلى البيت و لا تغادري

قلت عودي وإياك أن تغادري

– ألم يعد بإمكاني تسلق شجرة التوت؟

ألم يعد بإمكاني اصطياد الفراشات؟

ألم يعد بإمكاني التجول في قصور الفطر؟

ألم يعد بإمكاني النط على الحبل؟

أمرُك يا أبي

– لقد فهمتِ يا ابنتي

لقد كبرت فجأة بفرْدةِ عسكري

ضلت الطريق إلى المقتلة

………………………………………….

………………………………………….

 

في طريقها المعتاد إلى البيت

توبخ بشدة شجرة التوت

توبخ باقةَ قراش ملونة في إناء الصباح

توبخ تهوّرَ حبلٍ فضولي تمادى

في سرد ما بين ساقيْها

لتطفل الجندي الجائع

إيذاناً بنهاية الطفولة و اللعب

إيذاناً ببداية التوجس و الارتياب

يرتدي الأب البداهة حذاءا ثقيلا

فيما يجهر بالسوء إلى نفسه –

– أنت على حق يا ابنتي

الحرب فعل الذكور بالإناث

الحرب تربص حذاءٍ عسكري

بطفلة تنط على الحبل

الحرب مفردة لا تتسع للتأنيث

الحرب أصابع تعتصر الدم

من ضرعٍ جفّ من الحليب

فلأذهب إذن منتصب ال…

إلى حربٍ مشتقّة من الشبق

لا من الحَرَبِ

فلأذهب إلى موسم الضِراب

الأشد هرطقة بين المواسم

إلى ركوب الحمار للحمار

………………………………….

………………………………….

 

من زجاج نافذتي

أرقب ناعورةً متخمة

تستقي الوحشة من بركة المساء

برتابةٍ تبالغ في التشْفيف

أرقب شجرا تجرد من أسمائه

يركض وراء ظلِّ أبٍ

راكضٍ وراء قمر في المحاق

عيون دمية مندلقة من المحاجر

و يد مضيئة تهتز في مزهرية الوداع

………………………………………….

………………………………………….

 

بينما يواصل هُياج القمر دفعات الدم

بانتظام

لإغراق العذارى في بركة المحيض

لتحريض الذكور على حرب الإناث

يجدد الفطر قصوره العالية القباب

كل منتصف شهر

في انتظار صغيرة ليست أميرة

رمت للنهر بحذاء بلا كعب

في انتظار فراشة يجبرها الطقس السيئ

على البقاء طويلا في عتمة شرنقة التوت

*****

خاص بأوكسجين


شاعر ومترجم من المغرب.