حوار حي ومباشر – سمر دياب
العدد 187 | 07 شباط 2016
خالد بن صالح


تسعى أوكسجين إلى ضبط عوالمكم متلبسة بما تصوغه من إبداع وتتوهج فيه وهي تعيش وتحيا، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” لنمضي في دردشة حية ومباشرة: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات أتطلع لأن تكون سريعة مكثفة أيضاً، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.

ثالث حوارات خالد بن صالح هذه المرة مع الشاعرة سمر دياب فهلموا إليه:

***

 

– سؤال لا مناص منه، كيف بدأت كتابة الشعر؟

– أحببت اللغة والأدب منذ صغري، تفوقت بهما أيام الدراسة، ووجدت نفسي أكتب دون مقدّمات مطوّلة.

 

– ودون مقدمات، كيف جاء خيار القصيدة السوريالية؟

– لم يكن خياراً على الإطلاق، كما لم تكن الكتابة خياراً بالنسبة لي. تأثرت بأدب الأساطير في صغري وأتعبتني المخيلة والهروب من الواقع إلى الحلم، ومن الوعي إلى اللاوعي، فخرجت نصوصي فيها مسّ من اللامعقول. لم تكن السوريالية خياراً، وهي ليست كذلك اليوم أيضاً.

 

-هل كانت لك أمنية أو أمنيات أخرى غير أن تكوني الشاعرة سمر دياب؟

– طبعاً. كنت أريد أن أكون إمّا رسّامة أو راقصة. لكن هذا لم يحدث، وأنا اليوم كاتبة.

 

– لك تجربة جميلة في الرّسم الرقمي، ولوحات كأنها مرايا لقصائدك وأجوائها، هل هو نوع من التعويض؟

– صحيح، خضت هذه التجربة حين كنت في إسبانيا لشدّة تعلقي بالصورة. هو تعويض لاشكّ، وأحب تجربتي مع اللوحة الافتراضية كثيراً.

 

– وماذا عن الرّقص؟

– أحبّ الجسد ومسالكه التعبيرية، في الرقص أم في اللوحة أم حتى في القصيدة.

 

– صدّرت ديوانك الأول “هناك عراك في الخارج” بمقولة جميلة لألبرتو كاييرو أو بيسوا الآخر، أقتطع منها: 

… أن أصبح شاعراً ليس طموحي 

مجرّد وسيلة للبقاء وحيداً

إلى أي مدى ينطبق هذا عنك؟

– إلى حدّ كبير. بعد تجربة في الكتابة والنشر، ما زلت أكتشف لليوم صعوبة أن يكتب الشاعر نصّه وسط الضجيج والزحام. الانسحاب إلى الوحدة أسلم في الحالة الشعرية.

 

– بمعنى آخر، هناك عراك بالداخل بحاجة إلى عزلة ليخرج؟

– العزلة أمر مهم للغاية لأي كاتب. كيف سيسمع صوت العراك في الداخل أو يكتشفه وهو وسط معمعة وضجيج؟ أنا شخصيّاً أفشل في الكتابة حين أغادر القوقعة لوقت كبير.

 

– ماذا يوجد في “متحف الأشياء والكائنات”؟

– يوجد أشياء وكائنات. حنّطتها لغوياً وتخييلياً ووضعتها في متحف.

 

– بالإضافة إلى العزلة والهدوء، بماذا تستعين سمر دياب للكتابة؟ هل من “طقوس”؟

– لا

 

– والسجائر هل باتت مجرد عادة؟

– عادة وحبّ. أحب سجائري.

 

– وأظنها تحبك، مثل قصائدك؟

– لا أعلم إن كانت قصائدي تحبني. لا أتدخل في مشاعرها نحوي. قد تكون تكرهني لأني أفضحها هكذا على الملأ. لكن سجائري تحبني وتعترف لي بذلك طوال الوقت.

 

– حدثيني عن علاقتك بالموسيقى؟ تميلين إلى النوستالجيا؟ أم إلى الاكتشاف الآني الذي يروقك؟

– لديّ أذن حسّاسة للغاية فيما يتعلق بالموسيقى والأصوات. أحبّ الطرب القديم والجاز عموماً، وأميل إلى اكتشاف فولكلور الشعوب الموسيقي. كثيراً ما أعاني من إدمان يصيبني على أغنية أو مقطوعة ما فأقضي أياماً وهي تصدح معي في البيت والشارع حتى أنهكها وتنهكني. بالمقابل تمرّ فترات لا أقوى فيها على سماع أي صوت حتى موسيقاي المفضلة. 

 

– هل من أغنية ما أو مقطوعة موسيقية من مخزون الشغف لديك؟

– من الصعب حصر مخزون الشغف في أغنية واحدة، إذ قد يفلح الصمت أحياناً أكثر في ذلك.

 

– يبدو لي أن الفوضى تساعدك أكثر على الكتابة في مقابل النظام؟

الفوضى نكبة حياتي الأزلية. أعيش في كارثة من الفوضى لم تنفع معها محاولاتي التي لا تنتهي للتنظيم. أستيقظ كل صباح بنيّة صافية لهزيمتها، فينتهي اليوم وأنا ضحيتها كالعادة. أكره الفوضى ولا أحبها وأحمّلها المسؤولية كاملة عن جميع خساراتي، لكن يبدو أنها تملك خططها وأمزجتها الشخصية بمعزل عني. لقد يأستُ من ترغيبها وترهيبها ولو تمثلت أمامي الآن على شكل إنسان لدفنتها حيّة.

 

– اعتقدنا لوهلة أن شمسا جديدة أشرقت على عالمنا العربي، لكنها كما عنوان إحدى قصائدك “شمس بلهاء تشرق على كل شيء”؟

– صحيح، أثبتت أنها شمس بلهاء تشرق على كل شيء. نحن مساكين وطيبون وانفعاليون وشعراء، نصدق كلّ شيء. القهر يفعل أكثر من ذلك.

 

– ووشم سنة 2011 هل هو انفعال الشاعرة؟ أم أن هناك أمل؟

– انفعال كان يضجّ بالأمل حينها. خبا الانفعال، وخبا الأمل، وبقي الوشم شاهداً على لحظة كانت أكبر منا جميعاً. رغم الخيبة لكني سأبقى محتفظة به إلى الأبد.

 

– هل تعتقدين أن هناك زمن آخر كان يمكن أن يكون أجمل لتعيشي فيه؟ وأين يقع في التاريخ؟

– صديقي، نحن في بؤرة حقبة انحطاط مزرية تطال كلّ شيء. العالم القريب الأجمل كان عالم الستينيات والسبعينيات، ورغم أنه يندرج في خانة الماضي، إلا أنه ليته يكون المستقبل. تبدو تلك الفترة من هنا أشبه بحلم بعيد المنال. ومع ذلك، أجرّ الزمن الذي أحبّ إلى حاضري، بيني وبين نفسي أعيش عوالم وأزمنة يخترعها الشعر وأصدّقها كعادتي.

غداً صباحاً سيقول الشعر:

لا أحد منكم يلزمني

أستطيع أن أربي كلباً في قبوي وأطلق عليه أسماء النبيذ كلّها

وهذا ما سيفعله 

وسوف نغرس أسناننا في الشجرة التي قرب بيته انتقاماً.

 

– جميل، هل توقفت عن كتابة قصائد إلى الله؟

– نعم توقفت. أنا أحب الله لذلك أكتب له قصائد، لكني توقفت لأن كل قصيدة لديّ موجهة له بشكل أو بآخر، قد أعود لأقول له شيئاً وقد لا أعود. كلّ منا ملهوّ بنكباته.

 

– هل من كاتب عربي يعتبرونه عظيما بينما تعتبرينه غير ذلك؟

– الألقاب في عالمنا العربي مثل الثورات التي خضناها وخاضت بنا. فقاعات تلد فقاعات. هناك نصوص تافهة لكتاب يُزعم أنهم كبار، وهي نصوص وانتاجات أدبية لا تصلح لإقناع دجاجة.

 

– بين بيروت واسبانيا، ماذا حققتِ؟ وما الذي ضاع منك؟

– أضعت في إسبانيا تواصلي المباشر مع العالم ووجدت الكتابة، وأضيّع الكتابة كثيراً في بيروت، كوني أجد التجربة دائماً في المرصاد.

 

– مكانك المفضل في بيروت؟

– بيروت كل أماكنها جميلة، لكن يبقى شارع الحمراء بماضيه وحاضره، الأجمل دائماً.

 

– كيف تبدئين يومك؟

– أستيقظ متأخرة عادة، قليلاً ما أخرج من البيت. أحب الطبخ والاستلقاء في السرير وأستمتع بالكسل أكثر من العمل.

 

– هل من كتاب جديد في الأفق؟

– لا أعمل بشكل جدّي على مجموعة جديدة، لكن الفكرة تراودني.

 

– ماذا تقرئين هذه الأيام؟

– هوس العمق لباتريك زوسكيند.

 

– أذكر يوم أحلتني على رواية العطر، هل مازال ظل غرنوي يطارد الجميلات؟

– سيبقى يطاردهن ما دام يريد رائحة. أفهم مأساته ولتعذره الجميلات.

 

– كيف ترين الشعر اليوم؟ واقع الشعر العربي بتعبير أدق؟

– أنا لا أخاف على الشعر بل على إنسانه. الشعر مثل التاريخ، لا يمكن حتى لهذا البؤس الذي نعيشه اليوم أن ينال منه. ورغم النحيب على واقع الشعر العربي اليوم، إلا أني أقرأ نصوصاً هنا وهناك جارحة في صدقها ولغتها لأسماء مازالت مثلنا تشق طريقها في الوعر.

 

– كلمة للعالم؟ الحياة؟ الكتابة؟

– صه يا كلّ شيء… طفلي نائم.

 

– وله أجمل الأحلام والأمنيات … كلمة لأوكسجين؟

– أوكسجين كانت من أوائل المواقع التي تُعنى بجديّة نشر النصوص الأدبية التي تستحق، وكانت من أوائل المواقع التي نشرتُ فيها. أنا سعيدة أنها مازالت قائمة كمشروع حقيقي للكتابة الإبداعية.

____________________________________

*شاعرة لبنانية، صدر لها “هناك عراك في الخارج” و”متحف الأشياء والكائنات” عن دار الغاوون.

الصورة من فيلم “ماكبث” 2015 ، إخراج جاستن كارزل.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.