حوار حي ومباشر: أسامة منزلجي
العدد 189 | 27 نيسان 2016
خالد بن صالح


تسعى أوكسجين إلى ضبط عوالمكم متلبسة بما تصوغه من إبداع وتتوهج فيه وهي تعيش وتحيا، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” لنمضي في دردشة حية ومباشرة: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات أتطلع لأن تكون سريعة مكثفة أيضاً، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.

الحوار هذه المرة مع المترجم السوري أسامة منزلجي

***

– لنبدأ من سحر اللغة، كيف تورطت فيها؟ وكيف بدأت هذه العلاقة بينك وبينها؟

– كما يحدث للأطفال عادة – حب المعرفة والرغبة في فك طلاسم سحر تلك الأحرف والكلمات التي تحكي حكاية ..
 

– حدثنا عن ذلك الطفل الذي وقع في فخ هذه الغواية؟

– طفل شديد الحساسية – بل مفرط الحساسية، كان العالم منذ البداية أكبر من طاقته على تحمل ضيقه ورعبه، فهرب إلى الخيال الجامح والحكاية التي فيها كل الروعة والجمال والعجائبية …
 

– بعيداً عن العالم صنعت عالمك الخاص بين دفات الكتب، هكذا أردت أن تقول وقد أصبح ذلك خيار حياة؟

– بالنسبة إلى طفل بمثل تلك الحساسية، أي واقع هو قاس وغير محتمل ولا يستطيع أن يتعايش إلا مع عالم على مقاسه بعناصره وألوانه وحتى تفاصيله كان الواقع دائماً بالنسبة إليه خال من الأوكسجين ..
 

– ولا شك أن جرعات الأوكسجين التي نجدها في سحر الكتب، تستطيع أن تسحبنا إلى تلك العوالم لنغرق فيها أكثر وأكثر، لكن الأمر في البلدان العربية يحتاج إلى تضحيات، حتى يمكن أن نتحدث عن ما نسميه التفرغ للإبداع كتابة أو ترجمة، ما رأيك؟

– اليأس كان دائماً دافعي نحو التحرك والإنجاز، اليأس من المؤسسات الفكرية والاجتماعية والدينية – كان الناس والمجتمع دائماً يقبعان في غياهب بؤرة سوداء لم يشعر بها إلا هو، وكان الجميع ينظرون إليه على أنه هو الذي يقبع في تلك البؤرة؛ كان لابد له من أن يتخذ اتجاهاً يتناسب مع ذلك اليأس من كل شيء لخلق مساحة خاصة به يستمد منها أوكسجينه النّقي: لم يكن هناك بالنسبة إليه أي اتجاه آخر …
 

– لن أترك الحديث عن “أوكسجين” إلى آخر الحوار، طالما أنك ذكرت الكلمة مرتين، وسنظل نذكرها مراراً، ماذا تقول عن علاقتك بمجلة أوكسجين الثقافية؟

– الأمر كله كان باقتراح من الصديق زياد عبد الله، الشاعر والروائي والناقد والمهتم بالسينما. بدافع من طموحه وحماسه لتقديم خدمة للثقافة العربية والقارئ العربي ودون أي مقابل بل على العكس، كان ولا زال يضحي بوقته وصحته وجهده للحفاظ على هذه النافذة مفتوحة دائماً رغم الصعاب كلها، وما كان يمكن أن أتخلف عن تلبية رغبته في المساهمة فيها ..
 

– يصفك زياد عبدالله في مقال عنك، كما كتب رفائيل ألبرتي عن بيكاسو: “أنت في وحدتك بلد مزدحم” وليس بالمخطئ حين تطالعنا هذه الأسماء من كازانتزاكيس، جان جينيه وميللر الذي نقلته كاملا إلى العربية، كيف بدأ هذا الشغف بالترجمة من الانجليزية؟

– الأمر كله بدأ من الشغف بالقراءة والفضول لمعرفة ما يجول في رؤوس أولئك الكتاب. والآداب الأجنبية أكثر حرية وانفتاح على التعبير والكشف عن سراديب النفوس. كنت أنزع كثيراً عندما أبحث عن كتاب فلا أجد له ترجمة – من هنا بدأت الرغبة في المساهمة في نقل ما يجول في تلك الرؤوس إلى لغتنا ..

– وكان خيار الدراسة الأكاديمية في الجامعة تخصص أدب إنجليزي، وبعدها ترجمة أول رواية لهينري ميللر، حدثنا عن تلك البدايات؟

-سمعت عن ميللر قبل أن أعثر على أي كتاب له بوقت طويل، وكنت دائماً، ولا زلت، أستهجن منع الكتب بسبب محتواها والآراء الواردة فيها والتجارب التي يقدمها أصحابها لنا مجاناً ودون أن نتكبد مشقة المرور بها من جديد- لذلك آليت على نفسي أن أطرح من رأسي أي حاجز أو مانع يقف بيني وبين ترجمة أي كتاب أجده مفيداً وممتعاً، قلت في نفسي ، أنت لا صلة لك بالموانع ، أنت مترجم وهذا ما يجب أن تفعل، وبعد ذلك فليقبل من يقبل ويرفض من يرفض، كلّ حر في ذلك – وهكذا، حالما عثرت على نسخ من كتب ميللر في منتصف السبعينيات لم أنظر خلفي وباشرت العمل ..
 

– لا شك أننا متأخرون كعرب، في الكثير من مجالات الفنون بسبب تلك الموانع، بالرغم مما يُرفع من تحديات جريئة، لها أن تمنح الفرصة لأسامة منزلجي بنشر كل ترجماته، هل هذا الحلم ممكن عملياً؟

– أعتقد أن الأمر يتعلق في الأساس بالإرادة، فإذا أردت للحلم أن يتحقق عليك أن تعمل في هذا الاتجاه ..
 

– “لن تستطيع الادعاء/ أنك ناديته من الشارع/ أو اتصلت به هاتفياً ولم يجب أحد/ لأنه دائماً هناك/ يفعل ما يفعله كل يوم وهو ينتظر” كما كتب الشاعر منذر مصري عنك في قصيدة “هو من يقرع جرسه”.. دعنا ندخل عزلتك المزدحمة ونسألك بماذا تؤثثها؟

– بقلة المطالب الدنيوية وتحرير النفس من أغلال الطموحات المادية، واكتشاف الراحة والهدوء والقناعة مما هو متاح لك دون إذلال النفس -وبالكثير الكثير من الكتب التي لا يمكن الوصول إلى مرحلة الإشباع منها …
 

– راهب بطقوس قليلة؟
– أنا لم أدّع يوماً أنني راهب – فلنقل إنه أسلوب حياة محسوب بدقة …
 

– اهتمامك بالفن التشكيلي، بالصور الفتوغرافية والموسيقى، يظهر جليا على صفحتك الفايسبوكية، في محاولة لمشاركة العالم هذا الجمال، هل هو شغف آخر إضافة إلى الكلمة والكتب؟

– أعتقد أن الثقافة والمعرفة عموماً متكاملة تشتمل على كل ما تشتاق الروح إلى بلوغه، وتقصي الجمال والسمو بالنفس هما الهدف، وأنا أبحث عن الجمال والتناغم في كل شيء …
 

– ماذا تسمع كموسيقى؟

– كل ما يروق لأذني وتهفو إليه نفسي … الأنواع كلها ..
 

– هل من كتاب تعود إليه كل مرة؟ مقولة تحبها وتكتبها كل ما صادفك بياض ورقة؟

– لقد تعلمت مع مرور الزمن ألا أفيض، لأنني لو تركت لنفسي العنان لوجدتني أعمل على عدد كبير من الكتب، أو أقرأ العديد منها دفعة واحدة، وهذا يبدد الطاقة ويشتت الذهن ..
 

– هل تفكر في كتابة كتاب ما يوماً، بعد اقترابك من عوالم كل هؤلاء الكتاب العظماء ونقلهم باحترافية إلى العربية؟

– أنا مترجم فقط.
 

– ومترجم متميز كذلك، بماذا تصف لاذقيتك المدينة؟

– تغيرت كثيراً حتى لم أعد أتعرف على قسماتها …
 

– أتخيل غرفتك، غرفة بملايين الجدران على حد قول الماغوط، وكلما ترجمتَ شيئاً أزحت جداراً، لعل المدن كالبشر تتغير ملامحها أيضا؟

– ولكن ليس إلى درجة طمس تلك الملامح – أصبحت أمشي فيها كأنني لا أعرفها …
 

– هذا من حبها؟

– بل هو مرور الزمن …
 

– تخيل معي قاعة بإضاءة خفيفة وموسيقى تأتي من مكان بعيد، وفيها جلس كل هؤلاء الذين ترجمت لهم كتباً على مدار أكثر من 35 سنة .. ماذا تقول لهم؟

– بل ماذا سيقولون هم لي – آمل ألا أكون قد أسأت إليهم كثيراً..
 

– “الأصدقاء الذين خذلوك يحل محلهم آخرون جدد، يظهرون في اللحظة الحرجة، ومن أماكن لا تخطر لك على بال” ستكون أنت هذا الصديق الجديد على حد قول هنري ميللر هنا؟

– أتمنى ذلك …
 

– يقال إن لكل يوم بداية مختلفة وإن تشابهت الأيام، كيف يبدأ أسامة منزلجي يومه؟

– أبدأ بتناول بعض الفاكهة واستعراض الفيسبوك ..
 

– كيف تقرأ تأثير هذا الفضاء الأزرق اليوم؟

– أعتقد أن الشك والريبة هما المسيطران على التواصل الاجتماعي – المطلوب هو المزيد من الصراحة والصدق وإرادة التواصل …
 

– كلمة نختم بها هذا الحوار الذي لا أريد له أن ينتهي؟

– أتمنى لكم التوفيق …

______________________________________

 ولد أسامة منزلجي في اللاذقية عام 1948 ودرس الأدب الانكليزي في جامعة دمشق. مترجم قدّم الكثيربترجماته المميزة إلى المكتبة العربية، هو الذي عُرف بترجماته لأغلب كتب هنري ميللر ورواية كازانتراكس “الإغواء الأخير للمسيح” وغيرها من أعمال جان جينة ونورمان ميللر وهرمان هسه وتينسي وليامز وجيمس جويس وتيري ايغلتون والكثير غيرهم، وهو من مواكبي أوكسجين بترجماته المميزة منذ عددها الأول.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.