حوار حي ومباشر: أحمد سواركة
العدد 192 | 05 حزيران 2016
خالد بن صالح


تسعى أوكسجين إلى ضبط عوالمكم متلبسة بما تصوغه من إبداع وتتوهج فيه وهي تعيش وتحيا، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للقاء في مربع “الشات” على “الفايسبوك” لنمضي في دردشة حية ومباشرة: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات أتطلع لأن تكون سريعة مكثفة أيضاً، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.

عليكم بهذا الحوار مع الشاعر المصري أحمد سواركة:

 

أهلا صديقي سانتياجو واعتذاراتي الكبيرة لك

طارئ حال دون لقائنا لندردش ..

صحيح، حياتنا كلها طوارئ

بس تكون بخير، هذا الأهم.

 

أنا بخير، شكرا على تفهمك أيها الشاعر ..

إذا كنت سأذكر عناوين كتبك مثلا كيف أحاورك باسم سانتياجو؟

مثلا شخص قتل شخص واستولى على أملاكه، إلّا أنّه لم يستطع سجنه.

ويمكن قطع الطريق على هذا وذاك

تجريب، عبث بحالة الأسماء

بالتاريخ الشخصي

بالذات

بأي شيء.

أذكر أيّ اسم على كتبي، فهي زائدة عن الحاجة، وغير ضرورية، وأنا لا أتباهى بها، لأنها دليل

إدانة .

 

كما هي الحياة، حالة عبث مستمر؟

الشاعر هو الوحيد الذي يخسر إذا اشتهر اسمه.

 

الخسران جزء من شعريته لا شك؟

هذا صحيح، فكل شيء نفقده يعطي طاقة ما للذات كي تتحمل  كينونتها.

 

مستعد لنكمل حوارنا الآن؟

آه ممكن، ليه لا

 

سؤال البدايات من الأسئلة التي تفتح الشهية للحوار، كيف بدأت الكتابة؟

أنا لم أبدأ الكتابة، الكتابة بدأتني، إذ أنني لم أقرر يوما أن أكتب شعراً على الإطلاق، لكن حدث ذلك على شكل دفاع عن الذات في مواجهة العزلة ، عندما تذكرت كتابات قرأتها مترجمة.

 

الكتب المترجمة دافع شائك ومهم للكتابة، هل تذكر تلك القراءات؟

دوستويفسكي

هذا الذي حرضني على الكتابة.

 

قرأت لروائي عظيم حرضك على كتابة الشعر، وكانت قصيدة نثر من البداية؟

لأنني لم أكتب قصائد موزونة، بدأت أكتب مقاطع تشبه النقد الذاتي لإصلاح حياتي واكتشفت أنها قصائد، أي اكتشفت أن هذا شعر، فانتكست.

 

تلك اللحظة الشعرية الخاطفة، لا أظن يسهل نسيانها؟

انتكست عندما ذهبت إلى صديقي أيمن إبراهيم،  وأشار علي بدراسة البحور والموازين، وقطعت شوطاً في التعلم ثم ضقت ذرعاً بذلك وأسريت له أنه إذا كان الشعر هكذا فأنا لا أريد أن أكتب شعراً، وفي الحقيقة أنني شعرت بأن هنالك شيئاً غير صادق علي أن أكتبه إذا كتبت تفعيلة فتركت الأمر سنتين.

لم أكن ضمن مجموعة، إلا مجموعة من اليساريين كانوا باستمرار يرددون أغاني محمود درويش ومعين بسيسو وأمل دنقل ونتقابل على كتب فكرية وروايات مترجمة.

عثرت على اللقلق لسليم بركات، واندهشت من أنه يسميه شعراً، وهذا نبهني إلى أن ما أكتبه قد يكون شعراً، ولم تكن قصيدة النثر  في مصر مطروحة بشكل واضح.

 

الخلفية التي جئت منها إلى قصيدة النثر لم تكن إلا أن تكتب دون قيد، كيف عدتَ بعدها إلى الكتابة؟

المشكلة أنني قرأت لوتريامون ورامبو وبودلير وأنا أعتقد أن العيب في الترجمة، إذ كنت أفهم أنهم شعراء يتبعون قواعد صارمة ليكونو شعراء، حتى في خروجهم عن الجميع، وأن الترجمة هي غير القادرة على توضيح ذلك. كنت أعتقد أن الشعر  صعب وعصي على من لم يدرس اللغة دراسة أكاديمية، وساعد على هذا عدم وجود تجارب قريبة مني ترقى لأن تكون مناخاً مثل اليوم.

 

حتى الأفكار التي حامت حول قصيدة النثر الغربية لم تترجم بشكل جيد عربياً، ما رأيك؟

لا، لا، لم أكن قارئاً مسؤولاً، وإلا كنت عرفت نماذج كثيرة، عرفتها فيما بعد، أقلهم أنسي الحاج وشوقي أبو شقرا وأدونيس مثلا…

الترجمة بؤس.

 

بالعودة إلى عناوين كتبك: “أهوال صغيرة”، “هواء سري”، قاطع طريق” وغيرها، حدثنا عن هذه العناوين الثنائية؟

أنا لا أبذل وقتاً في اختيار العنوان، فقط أختار عنوان قصيدة من المجموعة وأكتبها على الغلاف.

 

لكنها تعكس اشتغالاً باليومي الذي لا يخلو من حمولات فلسفية وتفاصيل العالم والحياة والواقع، تماماً كما هي قصائدك؟

هذه منجزاتُ الشعري وكيمياؤه.

 

ودوستويفسكي يقول : “بطلٌ كل من يسيطر على رمادية اليوم الاعتيادي” إلى أي مدى أنت بطل بهذا الشكل؟

لست بطلاً، أنا أحاول أن أستمر على قيد الحياة.

 

وفي المحاولة تظهر عبقرية الخسران كذلك؟

أنت لا تكتب الشعر وأنت منتصر، إلا إذا كنت مثل المتنبي مثلاً.

 

حتى المتنبي كان يداري خساراته الكثيرة وأولها شعره المتمرغ في بلاط الأمراء؟

كان شاعر مقولات في سياق اجتماعي ضيق، غير ما هو الإنسان الآن في عصور ما بعد الحداثة والذي ضاعت ملامحه بالكامل.

 

في نصك الأخير بأوكسجين “ميتا يتأمل السقف” كتبت: راقب حدوثك من الآن كي لا تتعثر .. كيف يشكل الشاعر أحمد سواركة ملامحه؟ أم عليَّ أن أقول سانتياجو؟

ههه، عندما تناديني أحمد سواركة أعتقد أنك جئت لتقتلني، سانتياجو لا أعرفه، وبالتالي أستطيع أن أنكرك بدون تأنيب ضمير.

 

حسناً سانتياجو، وهل الشعر يحتمل الكثير عكس الحياة؟

لا، الحياة أعمق

 

ماذا عن طقوسك في الكتابة؟

التدخين، وكتابة ما أريد في نفس واحد.

 

وتُراجع بعد ذلك النص، أم تتركه كما جاء في النفس الأول؟

أراجعه ثاني يوم، وأقرأه بعدها بثلاثة أيام، وإذا قبلته خزنته في مسوداتي، وإذا لم أقبله حذفته، وبعد أسبوع، أخاف منه، فلا أفتحه ولا أتعامل معه على الإطلاق.

المراجعة تتعلق فقط بالأخطاء الإملائية أو النحوية الفجة، لكن لا يمكن تغيير فكرة وإلا سقط النص بالكامل.

 

وحتى النص المحذوف هو شكل من أشكال الكتابة والاشتغال الشعري، صحيح؟

أوووه لا تذكرني بهذا، أعدمت نصوصاً فيها شعر يساوي كل ما كتبت لأنني كنت أعتقد أنها لا تلتزم بقوانين الشعر منها مجموعة اسمها: الظفر المقلوب.

لا، أنا أحذف النص عندما لا يقول شعرا. وفعلا عندما أفحص ذلك أجد أنني ذهبت هناك بلا شعر، فقط لأمارس عادة، فهنا الحذف جزء من الشعر، يمكن أن نقبل بمفاهيم الحداثة والإعلاء من شأن التكنيك. إن ذلك نوع من العمل الشعري كما ذكرت يا صديقي.

 

هذا يحيلني إلى ظاهرة “الكتابة الفايسبوكية” كثيرون يقعون في مطب الاستسهال، ماذا تقول لهم وهذا ليس من باب الوصاية ولا النصيحة طبعاً؟

هذا رائع، وكل من ذهب لورقة أو كي بورد ليكتب شعرا، أنا برأيي هو شاعر.

مهما كتب.

 

طلقة صائبة: ليكتب شعراً.. هذا الأهم، دعني أعود إلى السجائر، كيف تصف علاقتك بها؟

أنا أحب هذه النبتة بشكل غريب ( التبغ ) وأبحث عن وسائل كثيرة لتدخينها، التبغ فيه امتدادات روحية.

 

والموسيقى، إلى ماذا تسلم روحك؟

درست سنتين موسيقى، ولم أصبح موسيقياً رغم أنني أعزف عود.

 

آه جميل صديقي وماذا تحب أن تعزف عادةً؟

مقام الرست .

الدو ماجير.

 

عظيم مقام الاستقامة والفخامة ..

نحن نفخم كل شيء، هذا هو عمل التراث.

 

عدِّد لي أشياء تحبها في مصر ولها حضور أو غياب في قاموسك اليومي؟

الفوضى، الزحام، الاعتذار، الشكوى، أبو الهول والميكروباص، وعم عبدو بياع الشاي.

 

وعلى ماذا تفتح شبابيك يومك؟

على الداخل.

 

ومن “جبهات داخلية” أختار النهاية:

وأنتَ واقف في الداخل العميق، تَمضُغ الشُهور

وتنتَظر خُروج الموجة الصغيرة في الفجر.

هل خرجت الموجة؟

هذه الموجة هي أنا، وهذا لا يأتي أبداً، كل يوم أنتظر حدوثي بدون  أمل.

 

كيف تقرأ الشعرية المصرية اليوم؟ وقصيدة النثر تحديداً؟

متدفقة، ودفعت بالشعر أعمق بكثير من حقبات الرواد.

 

أنت متابع للتجارب الجديدة إذن؟

ليس بطريقة مسؤولة، لكن أشعر بالحالة من خلال تقاطعات كثيرة. الآن الوسائل أصبحت مريحة

وسهلة.

 

هل تشارك في أمسيات شعرية؟ لقاءات مع أدباء وشعراء؟

لم يحدث هذا أبداً، ولم أذهب لمهرجان، ولا مؤسسة، ولا مجلة ولا جهة، أقابل الجميع في الشارع أو بالصدفة.

 

هل هو موقف؟ أم ماذا؟

لا، لم أستطع إقامة علاقات.

 

لو لم تكن شاعراً ماذا كنت تتمنى أن تكون مثلاً صديقي سانتياجو؟

لا، كنت أريد أن أكون شاعراً كما أتخيل كيف يكون الشاعر، لكنني لم أستطع. الشاعر ليكون شاعرا، لا أعتقد أن تتحمله حضارة بكاملها، لا أقول مكان.

 

وكيف تقاطعتَ مع هذا الاسم؟ كأنه قديس بجينز وسيجارة خارج “ترتيبات لسهرة قديمة” وقد كتبت في هذه القصيدة: اسمُك أصبَح شاغراً؟

التاريخ مثل حمولة على ظهرك، والأسماء مع الزمن تصبح حمولة لا نقوى على المضي قدما بها، لذا لابد من الزج بهذا الحمل والتخفف ليصبح وجودنا أكثر خفة، وأنا لا أبحث عن الخفة هذه، فأنا الآن سانتياجو، ليس لي كتبا ولم أكتب شعرا قبل هذا، سأبدأ من جديد، وأرى ماذا يحدث؟

 

هل هي محاولة لاكتشاف مناطق جديدة في شعريتك؟

لا، هو السعي حثيثاً للحذف.

 

وماذا عن المجد الأدبي؟ ألا تحاسبك كتبك الأولى عنك؟

المجد ؟! الشعر يا عزيزي حسب مفهومي هو عقاب.

 

كيف؟

الشعر ينطلق من أنانا التي تعارض الأنا الأعلى وبالتالي هو جلسة علاج في سرير مرضي ثم نستثمر هذا كما نستثمر في شركات القطاع الخاص مثلاً، ونسميه بأسماء أنيقة بعد أن نقابل الآخرين.

 

أنا زرت مصر سنة 2001 ولم أندهش بالأهرامات ولا المعالم الأثرية بقدر دهشتي بالقاهرة، بكلمة ماذا تقول عنها؟

مدينة عميقة

 

كلمة عن “أوكسجين” وتجربتك معها؟

أوكسجين بالنسبة لي هي زياد عبدالله على الرغم أننا لم نتراسل أو نتحادث ولا مرة، لكنها الأرواح تسعى بطريقتها الخاصة لأرواح تألفها، فزياد مثلك شخص محب وجميل..

 

وأنت كذلك صديقي، فرغم فارق التوقيت واقتراب الفجر، أجدني أحاورك بكل متعة، وأحب أن أختم بأي عبارة تقولها مما كتبتَ أو قرأت هذه الأيام وعلق في ذهنك؟

لا يعلق في ذهني شيء، أنا مزدحم بأشياء كثيرة، لكنني قرأت مرة لهيدغر عن هولدرلين على ما أعتقد أن من يريد الأصل لا يغادر أبداً.

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.