حلم
العدد 146 | 21 شباط 2014
آيات بكري


جلس صوته على الكرسي وترك ظل جسده واقفاً وكأنه قدم ٌ لطائر الكراكي. بنى في أحلامه التي لن تتحقق مدناً وممالك وجزراً بحرية وأسكنها مشردين وماسحي أحذية ومنظفي مداخن . تقاطع حلمان في رأسه لحظة علم أنه لن ينجب طفلاً  كأولفر تويست. أو يحب فتاة أجمل من سكارليت. وهو ما جعل قارة – تقع على سطح كرة زرقاء أخرى- تخوض حرباً دون سيوف أو رماح. ولكن نهايتها جثثٌ ودمارُ حربٍ وقعت في القرن الواحد والعشرين.

هناك على مسرح الدمى تركت له خيطاً دقيقاً لم يستطع مشاهدته إلا طفلٌ كسر سنه في شجار، كان قد طرد من مدرسته .. ليس لعدم حفظه الطرق التي سيّرت عليها تجارة التوابل من الهند وحتى البندقية. بل لكونه سرق مربى المشمش الخاص بالمعلم. لإطعام صديقه العجوز ذي القدم المصنوعة من خشب صنوبرة “تنز صمغاً وكأنها قطعت البارحة.”

على جبينه الأيمن تركت له ندبة عندما أعلمها برغبته في الالتحاق بالجيش،فأحبها لأنها أعطت لباقي تفاصيل وجهه شكلاً مختلفاً . و تذكر أن خوفه لم يكن من الموت أو الزيّ الموحد حتى فكرة الاستيقاظ المبكر أعجبته. ولكن أفزعه حلُمها برتابة الاستقرار في بيت بشرفات مطلية بلون واحد وأثاث بسيط.

في أحلامه لم يكن يشاهد صوراً كهذه، لعل هذا أكثر ما أخافه!

 

 تأخر الوقت ليدرك أن كل الأشياء البليدة والساذجة واللامنتهية  وحتى تلك الجميلة التي عاشها لم تكن أبعد من أحلام عادية وربما  مزعجة في رأس الله. فخففت هذه الفكرة من ثقل لقب “مجنون الحي” الذي أطلقه الأطفال عليه وهم يركضون خلفه ويرمونه بحبات البندق معتقدينه مجموعة سناجب بنية فارة من غابة أبدية الخضرة.

  فكر فيها. وبحزنها بعده، وبصوتها المخدوش مثل عملة ذاقت طعم جميع الأصابع. 

وانمحت أحلامه عن الطفل الكسول. ومسرح العرائس وعنها هي تحديداً. من تعلقت به كقطعة قماش بالية  وقت ظنته خشبة قادرة على حمل ما تبقى منها، بينما فضل البقاء “مجنون الحي”. 

– سأذهب لبيتها وأخبرها أنني اشتقت لها. وسأقابلها عند الساعة الثامنة غداً في المكان الذي اعتدنا الذهاب اليه.”

لكنه تشهى حلماً آخر يدور في أفلاك رأسه. 

– هناك شخص آخر ربما هو أنا يحبها هي ذاتها في منطقة أخرى من درب تبانة آخر. لعله الآن يقبلها ويشعر أن لقبلتها  طعم الرافيلو.

 _____________________________________

 كاتبة من فلسطين

 

الصورة من فيلم “حصان تورينو” للمخرج الهنغاري بيلا تار

*****

خاص بأوكسجين