حرب بيضاء
العدد 195 | 25 تموز 2016
نور ناجي


قلنا أن أقدم آلة غسيل عرفتها المرأة هي الغيمة، وأنّ كلمتا “عاقر” و”عانس” هربت منهما التّاء المربوطة لسببٍ غفل عنه علماء الأنتربولوجيا أو اللسانيون أو لست أدري من.

قلنا إن غزة ليست من الحقل الدلالي عزة وطرأ عليها تغيرات فيما بعد لكثرة قداسة ناسها فصارت “غزة”، ووحده الرّب يعلم إذا كانت بلادًا أو تمظهرًا  لهرطقات ذهنيّة لكائن ما.

قلنا إن غزة لا يحبها أحد، و غزة تحبنا وما بيننا من مسافةٍ لن يتفضّل أي عالم رياضياتٍ لحسابِها لكن شوارعنا القذرة تذكّرني بأن الرّئيس مريض ولا يمكن أن يقوم بإثارة كل أسباب الانتحار من أريكته الجميلة وحتى لو أضفنا له شخصاً بحجمِ الملك الضليل… ولو أرسلنا نملة لتتسكّع في جبهة “ثورة” لوجدت طريقها أخيراً إلى الفردوس دون أن نتمكّن من إيجاد مخرجٍ لنا من أنفسنا.

قلنا إننا المأزق وغيرنا يدافع عنا كوننا مأزقاً مدرّاً للأرباح.

قلنا إنّ الهدهد على بهائه يطلق رائحة مدوّخة تماماً كما قال الأجداد عن كون الجمال والقبح يجيئان معاً، فلست أدري كم عدد الذين يمتلكون الشجاعة لإلقاء نظرة على القمر من حين لآخر لنقل مرة في الأسبوع لنخفض جموح خيالاتنا ونقول مرة في العشريّة.

قلنا إن الضّبابَ أجنّةٌ ضائعة والسّراب أخُ الخيبة أخ الحلم الهارب الهارب .. الهارب..  الضائع.

قلنـــا ذلك ونحن حائرون “زعماً” نتساءل عن مصدر الشّر ولا نلقي نظرة على المرآة، وإن كانت المرآة تحيلنا إلى نمورِ “بورخس” فإن بورخس “ككلمة” تحيلنا إلى الرّخص الرائح الآتي فينا وبنا وحوالينا.

قلنا فيروز أيقونة دون أن نتأكّد من أنّ شخصًا عنيد الذائقة قد ينفق ثروته على المنصّة حيث تغنّي مطربة محلّية لا يعرفها سوى رواد الملهى وصاحبه وسائق التاكسي الذي يأخذها إلى مواعيدها عند قارئة الورق والزبائن ولم لا، إلى ضريح سيدهم فلان في أعالي الجبل الفلاني لتتماهى عبائتها الزرقاء مع جبّة سيدهم فلان.

وقلنا إنّ الديمقراطية ناهيك عن معناها الأوليّ قد تعني أنّ قانون منع التحرّش تغافل عن أهمّ أنواع التحرّش ولن أذكر المزيد… وأن حروب الإبادة شرّ لابدّ منه في حالات كثيرة، أنا لا أستطيع تحديد تلك الحالات، ولا أعرف أي مبيد سيتمكّن فعلاً من القضاء على درجات الحرارة المرتفعة، لكنني كما تلك العجوز في نشرة الأخبار أؤمن أننا سنبدأ من المكان المناسب ذات يوم وسنعود إلى الفأس والجرّار الأصفر الصغير ونزرع لنحصد، وسنحتفل فرحاً بنضوب آخر بئر سوداء. أنا مستاءة قليلا ولأنّ كلمة “مستاءة” تقع في الحقل الدّلالي لكلّ ما هو سيّء سأنسى الأمر وأفكّر بأنني بصحة جيدة إلى أن يعثر العلماء على أسماء لتلك الأشياء التي تصيبني كل ستّين ثانية في الدّقيقة الواحدة.

يؤسفني أنّ العالم بخيرٍ لهذه الدّرجة، فأن يكون العالم بخير لهذه الدّرجة يحيلُ شعراء القصيدة العمودية إلى التقاعد وهذا أمرٌ لا أستسيغه على الأقلّ كمعجبةٍ بـ “صوتِ صفير البلبل***هيّج قلبي الثّملِ” وبالإشراقات الفلسفية للمتنبي، بربّكم أخبروني كيف سيشعر ملكٌ كانت بغلته طائرتَه الخاصّة، لو أتى إلى 24 فبراير 2016؟

لقد فهمت صديقتي أنني لستُ كائنًا هذيانيًا وأنّ الخيالَ عصفورٌ بزغبٍ قليل يرتعش في عشِّ الواقع، أليس هذا دليلاً على أنّ الأطبّاء على حقّ ولو قليلاً عندما يطلبون من السّكارى التّوقّف عن الشّرب ومن المدخّنين التوقّف فورًا عن التّدخين ومِن الحواملِ تجنّب رفع الأحمال الثّقيلة؟ آه الأطبّاءُ الأذكياء، لماذا لا نبني لهم التّماثيلَ خاصّةً وأنهم يستقدمون سكرتيرات لمساعدتهم على مساعدتنا؟

البهجةُ تكمن في النّدرة وإلاّ ما معنى أن تتخّيل مليار فراشةٍ تسطو على هواء غرفتك المسكينة، ألا يعني هذا فيما يعني حربًا بيضاء؟

أيّها الرّب، إذا كنتَ مستيقظاً ومتواضعًا ونزلت إلى السّماء الأولى كما أخبرونا فإنني أحبّ أن تسمع معي هذه الموسيقى الآن: عواء كلب في المزرعة التي بجواري، نقراتي على الحاسوب ونبضات قلبي إن أمكن.

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة من فلسطينrn

مساهمات أخرى للكاتب/ة: