حجر من التعب
العدد 262 | 04 كانون الأول 2020
بيان أسعد مصطفى


 

أمارس خوفي من العالم في خزانة الثياب، وضجري في الكوابيس التي يحلم بها غيري، وضعفي على غصن شجرة هرمة.
أستند على حجر من التعب والوحدة ثم أتحسسني فأجدني أتقسّم، وجهي للصحراء وجسدي للشلال. أتعرى كالحقيقة خلفي. إنني سادية في حماقتي، وعطري تأخذه الغزالة العابرة، وأمتطي حُباً لا خبر عنه.
الحبر صدى لعرافة تقف أمام المذبح وأنا خطاي التي تتبعني، أجترني كذبيحة جف دمها من الخوف والمهزلة. الروح بي شديدة والله حاميني وهو منقذي الوحيد من نفسي وصرخاتي الكثيرة الكثيرة.
إنّ لي فراشة كانت موضوعة في كيس شفاف، كنت سأضعها تحت المجهر، تجيء في كل المواسم، أحياناً جميلة وأحياناً مخيفة، أتحسس مدى ضوئها وأغار منها.
سال دمي على الأرجوحة، سال كله حتى انتهيتُ، وكانت الأرجوحة في علوّها.
خصلة شعرها الأسود تضيء في العتمة، وزوجها حيوان أليف يخاف من الحريق.
الشمس لاذعة، ورق الصبار غامق، والأحجية لم تنتهِ.
لا بد من الوقوف أحياناً خلف الغيم لنرى الحياة بلونها الأصلي.
تصبح وجوهنا أجمل بعد الحب ولكن ليس كل حب، هناك حب كاذب وحقير.
أنتشر كألوان قوس قزح في السماء عندما يكون مزاجي جيداً، حيث الصمت والكآبة تحوم حول الزهور الملونة.
انكسرت اللغة حينما ضجر العاقلون وتشاجروا، وتلِفَتْ.
تعب الحوت من السباحة فقرر أن يسترخي على الشاطئ، فمات قبل أن ينتهي من شرب العصير، وقبل أن يصبح لون جسده داكناً، وصار معجزة.
سكان القطبين يستيقظون ليتجمدوا أولاً ثم يكملون باقي يومهم، ولا نأبه نحن بأيامنا كيف تمر؛ لأنها عادية وموعد ومكان التجمد غير معلوم، وأحياناً يكون اليوم كله… في أقصى حدود المزاج والمنطق.
نفض سجادة الصلاة بعد أن فرغ منها، وبقي شارداً لوقت طويل جداً في شيء لا نعلمه.
عند ملتقى النهرين تقف وتفكر في لقائه.
صارت الأغاني التي كانت ذكرى ونبكي عليها تكدس في قلوبنا أطناناً من القسوة والكره. حتى إنها تظهر في أعيننا أحياناً.
بينما يتكسر العالم ويتخبط ويشتعل يجلسان بجانب بعضهما البعض، وتضع رأسها على كتفه، صامتين في مواجهة نافذة العالم.
تكسرت المصابيح، وثمة هاوية معتمة أمامها.     
تلفت حبال الغسيل من ثقل القبعات.
مات قلبي أثناء تخيل ما قد حصل.
الزوايا التي لا يجلس بها أحد صارت مكب كتب لا تحث على القراءة.
صورة واحدة شبيهة بنا كفيلة بجعل أيامنا أصدق.
إن الله خلقنا، وأشكالنا لسنا من اختارها. لمَ ننظر إلى غير الجميل بكره ونسخر من شكله؟! إنّ النفس تحرضنا باستمرار وتلح علينا أن نصنع لها مرآة. أكره أن أعيب شخص، العيوب تشققات في القدمين.
المطرقة والمنشار والكراسي المتحركة كل ذلك يسمعه في رأسه، وكأنّ به مسمار وخشب مستعمل.
يعلق كل صباح دون أن يراه أحد قلبَه على علاقة الثياب ويمضي.
الصدى عطر، لدى كلاهما نفس خطة العمل.
البحر أزرق من السماء ومن عيني القط الجائع بجواره.
لغة الشتاء حضن، لغة الصيف ذكرى، لغة الخريف قصيدة، لغة الربيع آية من سورة النور.
تصر على رؤية نفسها في المرآة والغرفة معتمة تماماً، تريد أن تتخيل نفسها في مشهد من مسرحية لهنريك إبسن.
كراسي المسرح جميلة وهي فارغة، نريد دائماً أن نكتب عنها الكثير.
أنفاسٌ…أنفاسٌ كثيرة… عندما يشد يدها ويصرّ على النظر في عينيها. 

 

خاص بأوكسجين

 


كاتبة من الأردن.