حبة الحب
العدد 168 | 09 آذار 2015
نجلاء الخضر


ظهرت لي صباح اليوم أسفل شفتي العليا بثرة صغيرة حرّاقة. 

أعرف! هذا شيء لا يعتد به كثيراً، وهو غير صالح لأبدأ به حكايتي! لكن عليّ القول بأنها كل الحكاية، تلك البثرة التي تسمى “حبة السخونة”. فأنا لست بخائفة أبداً منها الآن، وأنا أستقبل يومي هذا بها، وأختي ما عادت هنا لتتحسها مطلقة العنان لحكمتها.

حين ظهرت لي للمرة الأولى في ربيع مراهقتي القاتم، قالت لي أختي الكبرى “إنها لا تظهر إلا على شفاه من يقبّلون شيئاً قذراً مثل شفاه الرجال”. وأنا لم أعترف لها بأنني قبّلت يوماً جارنا ولم تظهر لي، وأنها ظهرت لي من كثرة ما مرّ علي من زمن لم أقبّل فيه أحداً سوى أيدي العجائز من الجدات، ويدي أبي وأمي الطاهرتين.

حينها أمسك الفتى يدي وجعلها تقبض على شيء خارج عن جسده، كان صلباً ورقيقاً في آن معاً ، وكنت خائفة منه ولا أريد أن أتركه في الوقت نفسه.

جرحت يدي في اليوم التالي لملامستي ذاك الصلب الرقيق، وقلت في سري كان ذلك عقاباً على فعلتي الشنيعة، لكن أختي لم تفطن حينها إلى ذلك، بل صرخت بوجهي مطالبة أن أولي جلي الصحون والكؤوس احتراماً أكبر، وقد صادقت أمي على هذه الملاحظة الخارقة، واعتبرتها حكمة ليست بغريبة عن أختي الحكيمة.

بماذا أحترم الجلي؟ لم أسأل!   

إذن في البدء كانت البثرة، ومن البثرة أطلقت أختي اتهامها لي، الذي لم آخذه على محمل الجد. لكن المهم في كل ذلك أن أختي لم تخبر  – كما كانت تفعل على الدوام – أبي بذلك، ولا من تأتي بالمرتبة الثانية على صعيد زرع الخوف والمهابة أي أمي. كنت وما زلت أستطيع احتمال أي شيء إلا ما سيقدم عليه أبي إن عرف أني قبّلت ذكراً في هذا الكون، فهو قادر على الدوام على إدهاشي، فهو مبتكر إن تعلق الأمر بالبطش والبأس، ورؤوف متى شاء،  وها هي الصفات تتلعثم بمجرد أن أستعيد وجهه.

أتحسس بثرتي لا أعرف إن كان علي أن أضحك أم أبكي؟ 

لقد مضت أختي الكبرى بلا عودة، خرجت من البيت إلى بيت زوجها ومنه إلى القبر. لم يقم لها عزاء، وأبي الذي طأطأت له رأسه، عاد من المقبرة حزيناً لكن مرفوع الرأس، حينها مضى يدخن ويرمقني، وقد كنت حينها من دون بثرة على شفتي. قال لي “هل أعجبك ما فعلته أختك؟” سألني ومضى خارجاً من البيت، الذي صار يغيب عنه كثيراً، بينما غرقت أمي في الصمت، ولم تعد تمارس هوايتها في انتقادي في كل ما أفعله، لقد غابت نصيرتها ومحرضتها على ذلك، لكنها لا محالة زادت من كراهيتها لي وإن بصمت.

ها هي “حبة السخونة” جديدة تظهر لي وأنت لست هنا يا أختي العزيزة، ولم تعرفي كم من الأشياء القذرة التي قبّلتها في غيابك، وقد أمست حبة السخونة حبة الحب التي لا تغيب إلا لتظهر.

___________________________________

كاتبة من لبنان

الصورة من موقع تصوير فيلم رومان بولانسكي “تشاينا تاون” (الحي الصيني) 1974 بطولة جاك نيكلسون وفاي دانواي وجون هيوستن.

*****

خاص بأوكسجين