بغداد
العدد 228 | 10 آذار 2018
هيثم عبد الشافي


هل كنت تصدق أني سأنتظر عامين فوق كل هذه السنوات؟! اترك لهم المدرسة، وألقِ مفاتيح مكتبك في وجه مديرها، وقل له أمثالك فقط ينتظرون على مكاتبهم لسن المعاش.

قل لهم في ميكروفون الإذاعة بيانات النجاح والرسوب عندكم، الطلاب الجدد سددوا مصاريفهم، والكتب وزعت ومعها القواميس وكراسات الخط والموسيقى، وكتاب التربية الدينية المسيحية سيتأخر كالعادة. 

لا تنس لوحات تجارب العلوم وخرائط الصحارى وقارات العالم وسلاسل الجبال. لافتة المدرسة نفسها، هاتها معك، أي ورقة في هذا البلد تحمل اسمك لا تتركها لهم، هم لا يعرفون كم أغنية سمعتها وأنت ترسم الحدود وتكتب الأناشيد لطلاب ابتدائي، من منهم كان معك آخر الليل وأنت تردد القصائد وتختار الألوان وتخلطها، كلهم كانوا في بيوتهم.. أنت فقط كنت تسهر مع فيروز ووديع الصافي ومحرم فؤاد.

ودّع رجاء وعفت، واحكِ أمامهما للمرة الأولى عن ذكريات رحلات التسعينيات وماذا ضاع منك بعد رحيل “علي، وبدر، وأبو القاسم”، وبعدها عد على أصابعك كم مرة سمعت ضحكات “أحمد صادق” تأتيك آخر الليل…!

قل لهم “فتحي” مات.. أخبرهم كيف كان رحيله، وكيف حالك الآن، وماذا تنتظر في غرفتك وحيداً…!

قص شعرك أمام مرآة الحمام ليلة السفر، وأملأ جيب قميصك عن آخره بموضوعات كتاب القراءة 69، ولملم براءة “شادي وليلى” من الصور.. ابتسامات “أحمد الزلط” أنت تحبها، لا تنسها، آخر صورة لك مع مراد وأستاذ سويلم، وأترك لهما عنوانك الجديد والمحبة كلها في صور شم النسيم 88.

سنسافر بغداد، غداً، أنا وأنت فقط. جهز أوراقك وحقيبتك الصغيرة وأقراص الأسبرين ودواوينك القديمة وراويتك الأخيرة وصورة واحدة لأمك.

المخازن والبيوت هناك تنتظرك، جسر المسيب، مساجد البصرة، أصدقاؤك في الكوفة، حتى الشوارع المهجورة والمدن المخربة والميادين الخالية والأسواق المغلقة.. كلها كلها في انتظارنا.

تأخرت عليك كثيراً، أعرف، لكن ساعات قليلة ونترك بلادهم، وهناك سنحضر حفلتين لسعدون جابر، ونزور بيت ناظم الغزالي، في الحيدر خانة، ونكتب على بابه ثلاث أغانٍ وقصيدة، ونُسمع صديقاتك آخر أغاني “فايزة ورشدي”، ونرسم لهن النيل والمقاهي الشعبية وصورة كبيرة لبحر قريتنا.

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.