الندبةُ في الجسد والوشمُ في الروح. | سارة المالكي

العدد 246 | 1 آب 2019

                                                             

ثلاث نقاط على كتف هذا الصباح، سقطت للأعلى تباعاً من كتفي الأيمن لتنتشلها باب خفية في السماء!

هل هي باب الله ...

أم باب الكون..

أم باب المسيح.. الذي تستنجدُ به صديقتي العجوز وتبعثه لي في رسالة نصية بأحرف كبيرة MY LORD  مصحوباً بقلب احمر كلما ضاقت بي حياة الاغتراب وطلبت منها ان تصلي لي ..

أم باب بوذا.. الذي تستمد منه طبيبتي الهندية سلامها الباطني وهي تخبرني:

the mind is everything, what you think you become!

  أم باب مريم.. التي تقف على سطح مكتب مشرفي الدراسي المكتظ بالكتب والغبار وبقع القهوة... مريم التي تقف مضمومة الكفين، مغمضة العينين، نصف راكعة، اسمعها تهمسُ؛ دعي قلبي يحترق لكِ، دعيني أحمل عنكِ هذا العناء.. مريم التي يؤمن بها مشرفي الدراسي أكثر من المسيح؛ يقول إنها هي الرسولة، لكن التاريخ الذكوري سلبها نبوءتها..

أم باب ملائكتي الصغار.. وقد كنت لا أعلم انهم يسمعون صوت روحي من قبل.. حتى أخبرني معالجي الروحي كيف أن لكل منا زوج ملائكة يقضون عنا حاجاتنا الروحية والمادية.. ملائكة طيبون مختلفون عن الملائكة التي علّمونا إياها معلمات ورجال الصحوة الذين أدلجوا عقولنا على أنهم معنا لاحصاء ذنوبنا الكثيرة اللا مغفورة..

حكى لي، معالجي الروحي، في أول لقاء لنا عن الملائكة و قال إن أمه اتصلت به يوماً فاقدة الأمل بعد ان أضاعت ورقةً مهمةً تثبتُ ملكيتها لميراث من زوجها، قال إن ملائكتهُ وملائكتها قاموا بـ double duty  وأعادوا تلك الورقة المهمة لوالدته!

آه كم تبدو الحياة سهلة لكم: أقول في نفسي.. يـا لهؤلاء الروحيين الغربيين ..يصعبُ علي تصديق بعض أفكارهم المعقدة في تركيبها ..المبهرة في بساطة نتائجها.. أنا الأنثى التي تربيتُ على أنني ما لم أكن السبب في خطيئة أحدهم.. فإنني أنا الخطيئة..

يصعبُ عليّ تصديق فكرة أن هذا الكون مُسخرٌ لي.. حتى ملائكتي موجودون لخدمتي؛ أنا التي تربيتُ على أنهم معي كي يخبروا الله عن كل ذنوبي التي لم يكن من محيد عن ارتكباها، كذنبي وأنا أدهس نملةً لأن إحدانا ضلت الطريق فمشت نحو طريق الأخرى..

يعود صوت معالجي الروحي الذي ما زال يرن في أذني:

 .. please give them a try and just remember nothing is a coincidence! 

لا شيء يحدثُ بالصدفة،

الكون يرتبُ مواعيدنا حتى في الألم!

هذا الصباح، ذهبتُ إلى الغابة .. ابحث عن الصمت الذي أضاعني وسط كل هذا الضجيج!

احتضنُ شجرةً تبدو في عقدها الثالث؛ مثلي تماماً .. سر خفيٌّ يميزها من بين الأشجار المحيطة بها .. ربما هو حقيقة تقاطع أعمارنا!

استنشق جذعها المتعرج، رائحة الخشب تذكرني بأن رئتي مليئة بالحياة.. أعيد التفكير في كل هذا ومن انتشل الثلاث نقاط التي كانت تثقل كاهل روحي الأيمن من الجهة المحاذية للقلب..

لماذا استبعدتُ فكرة أن تكون روحي هي من خلّصني من كل هذا الألم..

هل هي باب روحي؟.. روحي الموصولة بحبل نوراني خفي يصلها بروح الكون الموصول بروح الله؟

أم باب أناي.. أناي التي هي كل هؤلاء مجتمعين وأكثر؟

..

أخبرُ نفسي أن كل هذا ثانوي.. والأهم هو أن العاصفةً انتهت.

اتحسس آثارها على جسدي..

أمرر أصابعي على الجرح؛ إصبعاً.. إصبعاً..

أعيد تمرير السبابة ذهاباً واياباً.. يُخيل اليّ أنها تستطيع التقاط نهايات المشاعر التي لا يمكن للأصابع الأخرى التقاطها.. تبدو الندبات طويلة، متعرجة، موغلة، رطبة.. لا زالت تسكنها آاثار النزف..

لكن وشمها في الروح أكثرَ تعرجاً وإيغالاً ورطوبة،

ونزيفها حبرٌ كتبتُ به هذا النص.

 

*****

خاص بأوكسيجن

معلومات الصورة
الصورة من أعمال الفنان ليون كوسوف (1926 - 2019)