الفيلة تدفن أمواتها
العدد 192 | 05 حزيران 2016
نسرين أكرم خوري


أعجز عن خوض أي معارك، بما فيها تمرير المشط في شعري المتشابك

أضفره كيفما اتفق، ألفّ الجديلة على شكل كعكةٍ غير شهيّةٍ إطلاقًا.

لا أنسى القرطين الصغيرين، ولا قلادة الفيل.

الآن صار شكلي مناسبًا لكلّ احتمالات الموت والحياة.

الشّارع اليوم يشبه نفسه، الخوف جعلني أراه أقلّ ازدحامًا

الطّقسُ جنائزيٌّ، هو جاهزٌ أيضًا لاستقبال النّعوش.

أطيل النّظر في السّيارات المركونة على جانبي الطريق، من أين سيخرج الـ boom؟

أبتسمُ لنبتة “عطر الليل”، لا يمكن أن يقع مكروهٌ في حضرة رائحتها القوية.

/

أتذكّر فيلم “باريا”:

الطائرات تقصف البلدة، “بيبينو” ليس خائفًا إلاّ من صراخ أمّه

 أيعقَل أن أخيفَ أطفالي بهذا الشكل؟ أيعقَل أن أنجب أطفالاً في هذا البلد؟ هل قلتُ بلد؟

/

أحاكي مشهدًا في الفيلم:

(أبصقُ على الأرض

مراهنةً على بقائي حيّةً حتّى تجفّ البصقة.)

/

يُقال إنّ عدد كلمات الفيلم تجاوز المليون

أجرّب إحصاءَ الكلمات الّتي أسرفتها خلال حياتي

أين ذهبت كلّها؟

وتلك الّتي لم أقُلها بعد، أين تتوارى؟

وما الّذي سيحلّ بها إن رحلتُ قبل أن أقولها؟.

/

حوار من “باريا”:

“-الاشتراكية، ماذا تعني هذه الكلمة؟

-هل تجيد الرّقص؟

-لا

-إذًا لن تفهم أبدًا.”

أمورٌ كثيرةٌ أحاول فهمها عن طريق الرّقص

إلاّ أن الموت لشدّة وضوحه

كان عصيًّا.

/

(صريرُ بابٍ خشبيٍّ كبيرٍ ومتشقّق

على بعدِ عائلةٍ خلفه ينتصبُ جدارٌ وحيدٌ، حوله حجارةٌ تحضنُ حجارةً، كانت سابقًا جدارين وسقف.

عجوزٌ بوجهٍ يشبه الباب لولا خطُّ زائدٌ شقّته دمعةٌ لا تفارق خدّه الأيمن

يبحث عن مسمار بين الرّكام

يغرزه في الجدار المنتصب

يعلّق لوحةً.

على البيت أن يكون مرتّبًا

حين تعود زوجته المقتولة.

يغلق الباب الخشبيّ.. يقفله بمفتاحٍ صدئ وينتظرها.)

رأيتُ ذلك في فيلم “طفولة إيفان”

وفي حيّنا القديم أيضًا.

/

يحدث هذا مُذ شاهدتُ فيلم “اختفاء غارسيا لوركا”:

أحنُّ إلى حرب الـ”بواريد”، تلك التي لم أعرفها.

جملةٌ قالها لوركا، ترنّ في بالي طويلاً: “لن أدعهم يحظون بخوفي”.

يا لوركا أنا ألوّحِ بخوفي كخرقةٍ بيضاء

ولم يقتلوني بعد.

/

زوجي يستغرب أنني صمدتُ هنا إلى اليوم، وهو يراقب تفتُّتَ أعصابي على بلاط البيت

-ما الّذي يريحكِ؟

-لاشيء، لا أريد البقاء ولا أريد الرّحيل أيضًا.

/

أحبّ الفيلة، الزرافات، البطاريق، القطط، البومات والدببة

كلّ الكائنات -بما فيها الإنسان- جميلةٌ عن بعد ولا تخيف

قرأتُ مرّةً أن البطريق لا يخون حبيبته

وأن الفيلة تدفن أمواتها

أتلفّت حولي:

النّاس يتبادلون الخيانات، الجثث المسحولة و..الابتسامات.

/

في صغرنا كرّرنا تلك “الفزورة”: “كيف تدخل فيلاً إلى الثلاجة بثلاث خطوات؟”

لديّ إجابةٌ جديدةٌ يا رفاق:

1 أعلّقُ قلادة الفيل حول عنقي

2 boom

3 يدخلون الفيل إلى الثلاجة.

أليست طريفة؟

/

لا أنسى شرب كأسين من الماء الفاتر على الرّيق

أعدّ لنفسي كوبًا من الحليب “خالي الدسم”

ألتزم بتعليمات النظام الغذائي، مثل من يحضِّر نفسه لحياةٍ صحيّةٍ طويلةٍ

الموت يقهقه من بعيد، أقصد من قريب.

/

أنقِّح قصّةً قديمةً قبل إرسالها للنّشر

وجدتُ بطلتَها حيّةً جدًّا

مع أنني قتلها قبل شهورٍ طويلة

سعلَتْ بشدّةٍ

نافثةً الغبار والأتربة في وجهي

اعتذرَت وقدّمَت لي لفافةً

لم أسألها من هرّب لها السجائر

فقط دخّنتُ بشكلٍ محمومٍ

وأنا أفكّر بطريقةٍ جديدةٍ لقتلها.

*****

خاص بأوكسجين


روائية وشاعرة من سورية. صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان "بجرة حرب واحدة"" 2015، ورواية ""وادي قنديل"" 2017.rn"