العبيد لا يقررون مسار الرحلة
العدد 168 | 09 آذار 2015
وائل عبد الفتاح


الخفة

عندما وقفت عارياً ونتف الثلج تتساقط

كنت أريد إذابة شحومي القديمة

وقفت لأقول لك: لا أطل علي شيء

لا أرى شيئاً

لا أريد سوى هذه المربعات الصغيرة لأعيش فيها

هي كل شيء

ولا شي. 

 

ألف ليلة

العبيد لا يقررون مسار الرحلة

 صرخات الملك المريض، أجبرت القافلة على التوقف أمام الباب الغامض، اختار لهم الطريق أمام تغيير حكايتهم جميعاً، عبيد و أسياد و أدلة محترفون في طريق مهجور 

 وعندما تصبح الحكاية هي الحياة الأخرى، لهؤلاء المارين بالصدفة في صحراء غريبة، ويتركون خلفهم مجتمعات ومدن وحضارات ومقاعد و٣٦عقدة درامية يتبادلون فيها الأدوار على خشباتهم متغيرة الأضواء و السينوغرافيا…

 الحكاية تمنحهم مواقع مختلفة، وتجعلنا نحن القراء نتعلق بهم، ونتماهى معهم، هم أنفسهم سيتعلقون بمواقعهم الجديدة، ويجذبون خيوطها تحت ثياب فخمة في عصرها، نحن القراء نراها فخمة، و كاتب يفاجئ بسر الشخصيات، وصراعها مع أخلاقه، يكون سادياً مع العبيد، و النساء، ليداري خجله الوراثي .

أشد خيوط الحكاية أكثر، لأحكم حياتي، وأدفعها إلى مسارات مختلفة، لا أريد بيتاً ولا ملابس سهرة، ولا حتى أطفالاً يبكون في الليل،

حجرتي هنا في قصر الأميرة الحمراء، ألمس سطح ماء الفسقية، لارطب قلبي بعد رحلة الصحراء .

تغير الحكاية ترتيب الحبات في مسبحة أستدعي فيها التركيز ، و الجماعات في برنامجي اليوم، حبة تنفرط، و الجماعة تلتقطها عند ذروة اكون فيها خلف حاجز حديدي، صوتي مشروخ، رغم أني أهتف من شرفتي، والجموع تهرب من ذبذبات الهراوة الكهربائية، إلى مداخل بنايات القاهرة الأوربية، البناية فارغة من سكان هاجروا إلى شجن مخيف، وحكاياتهم عادت إلى الشوارع محملة بغبار لا يحتمل.

اختناقي المفاجئ، لم يكن له مبرر إلا أن الغبار القديم، لا يمكنه أن يترك قارئ، يستخدم الإسقاطات المباشرة، الخيط الرفيع مرفوع إلى أسقف متهالكة، وبالتالي الباب لن يفتح أمام الهاربين بسهولة، الباب حديدي، وضخم، تركله بجسدك كله ليسمح لك بالصعود إلى شرفتك، حيث يدخل الآن لون أزرق سيمنح فرصة اختيار محطة الوصول لأطراف منسية في الحكاية كلها، ربما يفيق المريض، ربما.

 

الأصابع

ال”جيتان” قصيرة 

تبدو إصبعاً إضافياً 

دخانها ينحت نفسه من لمسات تائهة على إصبعين يعصران 

التبغ، 

يعصرانه… 

*** 

رائحة العصير والدخان تبقى في الأصابع الستة 

*** 

هل للفيل أصابع؟ 

لماذا تضحك..؟ 

*** 

سمك القرش، فقد أصابعه في معركة قديمة، ومن يومها أصبح متوحشاً، مخيفاً. 

*** 

أصابع الله بالتأكيد كبيرة جداً. 

*** 

الفيل اختصر أصابعه، 

يتنفس ويلعب ويوزع المرح باصبع واحد 

*** 

أمي قطعت إصبعها، من الوتر ، لم تخف من الدم، خافت من خيط غرزه الطبيب ليعيد ما ذبحته 

الحافة الحادة. 

*** 

أصابعها نحيلة 

تتسلق كوب الويسكي القديم. 

*** 

تتسلق كأس النبيذ 

… أعطتنا رنة خاتمها صوتا لاحتفال صامت بالسنة الجديدة. 

*** 

الباب يعرف نقر أصابعها 

*** 

أصابعها بالطلاء الفرنسي، 

تشد أعصابي المنهكة، 

حركة أصابعها تضبط إيقاع تنفسها الخائف.

*** 

تسبقني أصابعي تحت الطاولة.

*** 

الخوف يتحول عبر الأصابع إلى قوة، تفكك جسمي إلى جزر 

تلعب بها تيارات الحرارة.

*** 

أظافرها الأكيرليك تطفو في حوض الماء.

*** 

حمراء، اليوم، وكلاسيكيةٌ، تحفر خريطتها على جسدي. 

 

الأسلاف

أسير على الرصيف بدون أسلافي، ذاكرة العائلة ضعيفة، تحتفظ بالحنين إلى الأزمنة السعيدة. حنين بلا حكايات ولا أبطال. السلالة بعيدة، بلا عناوين، وأنا وحدي في المدينة، أداري اسم العائلة، خجلاً، أو حريةً، أو هروباً من أشباح غائمة، عبرت أكثر من صحراء، ونست أوراقها، وذاكرتها. أرواحهم قلقة إذن، تسكن ممرات مهجورة، محفوراً عليها بلغات غريبة، رسائل تصلني في منامات عبثية لا يبقى منها شيئاً 

 

حيوانات العتمة 

تقفز الحيوانات من رأسي أناديها بأسماء لا تعرفها تفقد الجاذبية، 

كما لو كانت في فضاء أملس تتجاور فيه النار و الماء رأسي ينفجر، وحيواناتي تلعب، تعود من حيث أتت تختفي في المسافة بين المعرفة وانتظارها بين الخيال وعين مهجورة، ترى وحدها بدون ذاكرة تقفز الحيوانات.. من رأسي لا أعرف أين ستذهب؟ ربما تبحث عن رأس مثل بورخيس يرتّب أقفاصها في عتمته. عتمة بورخيس صفراء وعتمتي، رمادية، عتمة غرق، أسقط ومعي حيوانات تلهو من حولي أسمع فيها صوت العرسة من حنجرة كلب فشل في اقتناصها. 

العرسة نفسها تمر بدلالها المعروف، “أوه إنها رشيقة..” ..تمر بلا صوت، فقط آهة عاشق للغائب. تلمع عين العرسة فجأة وسط شارع فارغ، تتمدد في مخبأ في سيارة قديمة، الدرفيل يشاركها الدفء، و يرنو إلى أعماق متخيلة، يلامس أرضيتها، بجسده الأملس، تحشرج السيارة بحملها، سكانها يصدرون أصواتاً مثل تكتكة رياح ساخنة، أو موج يتحرك من الدور العاشر إلى حيث يقف شرطي الليالي الباردة وحيداً، الأصوات معدنية، تلاحق حركة أعمدة النافذة في فراغ تركه العامل بدون اتقان 

النافذة تهتز، والموج يتحرك، والنمور النحيلة تلعق كعب حذاء منسي بجوار  سرير فارغ إلا من صورة بورخيس على غلاف ينظر فيه إلى عتمتي كأنه يرتب ربطة عنقه الجديدة على رف يلمع فيه الأصفر بجوار الذهبي الذي تلتقطه عين العرسة و يرقص قلبها، و تلهث وراء الكلب لتستعيد صوتها احتفالا بالكنز الجديد. 

________________________________________________

شاعر وكاتب وناقد من مصر صدرت له مجموعة شعرية بعنوان “الغرام” 2009. القصائد المنشورة هنا هي مختارات من قصائد مجموعته الشعرية “تانغو الأفيال” الصادرة أخيراً عن دار “الكتب خان” في القاهرة.

الصورة من موقع تصوير فيلم رومان بولانسكي “تشاينا تاون” (الحي الصيني) 1974 بطولة جاك نيكلسون وفاي دانواي وجون هيوستن.

*****

خاص بأوكسجين