أنسى طريقي إلى البيت
العدد 228 | 10 آذار 2018
طه الصياد


أصبحتُ أنسى طريقي إلى البيتِ

أنسى يدي في الهواءِ

تُلَوّحُ للآخرينَ

الذينَ مضوا

قبلَ وقتٍ طويلٍ!

 

وأنسى فمي مشرعاً

مثلَ شُبْاكِ بيتٍ

يقول: “وداعاً”

لجميزةٍ قد غدتْ محضَ ذكرى!

 

ولم ينتبهْ

أنّ وحشَ الغيابِ

يحاولُ أنْ يكسرَ البابَ

كي تتلاشى الأماكنُ والذكرياتُ

كما أنني

لم أعدْ واثقاً من خطايّ وأحلامِ أمي!

 

أخلِّصُ قلبي منْ موجةٍ

كسّرتْ ساعدي

حينَ حاولتُ أنْ أحملَ البحرَ بينَ البلادِ

لأكملَ نقصَ الصحاري

التي جئتُ منها

لتطفو خيامُ القبائلِ

مثل قواربِ صيدٍ

على شاطيءِ البحرِ

والرملُ يسخنُ منْ ملمسِ الشمسِ

والملحِ

والحبِ

لكنّهُ البحرَ يدنو لينأى !

 

وحاولتُ أنْ أربطَ الناسَ بالناسِ

مثلَ خطوطِ الهواتفِ

عبرَ حوارِ الضرورةِ

كي لا تشنّ السلالةُ حرباً على نفسها

 

من هنا

من متاريسِنا

سوف نحمي شجيراتِنا

دونَ أنْ نعلنَ الآخرينَ مشاريعَ حربٍ!

 

ولن نتركَ الأرضَ مثقلةً بالضحايا

ولا جونا ملعباً للغزاة

ولا بحرنا واسعاً للخطايا

ولا نخلناً عارياً

و”الرادارات”

ترصدُ أدنى سحابٍ

يمرُ على نومِنا في الضحى

و”الرادارات”

ترصدُ أدنى سماءٍ

نُشَيّدُ من أغنياتِ الحصادِ

وأدنى انتشاءٍ لعاشقةٍ

تحتَ سقفِ البلادِ

وأدنى احتجاجٍ على أيِ شيءٍ

وأدنى اشتهاءٍ لحلمِ الحياةِ

وأدنى احتكامٍ إلى قلبِنا

في الصلاةِ القصيرةِ

أدنى صلاةِ

وأدنى اكتشافٍ

لما يربطُ الآخرينَ بنا

من حقوقٍ ومنْ واجباتِ

ومن وحدةِ النوعِ والعقلِ

منْ دمعةٍ

تتجاوزُ لونَ العيونِ

ومنْ ضحكةٍ

تتجاوزُ قيدَ اللغاتِ

ومن مطلبٍ عادلٍ

فوقَ ما أنجزَ الناسُ منْ فلسفاتِ:

هو العيشُ بالحبِ

والعدلِ

والسلمِ

في عالمٍ

لا تمارسُ دورَ الوصايةِ فيه

جيوشُ الطغاة !

 

ولكنها البندقيةَ تطغى

وتكسرنُا مرتينِ

إذا ما انتبهنا

لسربِ طيورٍ

يغني لنا لحظتينِ

ويرحلُ في عمقِ آلامِهِ

تاركاً صرخة في الهواءِ

تعري فخاخَ الطيور

وقناصةً

بين أشجارنِا العاليةْ!

 

والبلادُ؟

البلادُ هي الطلقة الثانيةْ!

 

لم نمتْ بعدُ

أشجارُنا

تستطيعُ البقاءَ على قدرِ خضرةِ أرواحِنا

نستطيعُ البقاءَ على قيدِ أحلامِنا

قدرَ أحلامِنا

والبحيراتُ

دمعُ الأراملِ

والضائعينَ

ودمعُ اليتامى!

 

نعلقُ أقمارَنا

في صدورِ النساءِ

اللواتي انتظرنّ

على شرفةِ الليلِ

بحارةً

أبحروا

ثمَ لمْ يرجعوا!

 

والسماءُ؟

السماءُ انتهتْ!

ألفُ حالةِ صلبٍ

وألفُ صليبٍ

وألفُ ذبيحٍ

وألفُ لقيطٍ

وألفُ سجينٍ

ولا تتكلمُ حتى تخرَ الجبالُ

ويهبطُ فوقَ الجياعِ

طعامٌ منْ الغيمِ

يكفي!

 

هنا عالمٌ يكتبُ النقدُ سيرتَهُ

والسلاحُ المهربُ

والطائراتُ الحديثةُ

والماكيناتُ

ونافورةٌ منْ دماءٍ

وأغنيةٌ

منْ براميلِ نفطٍ

ومنْ شاحناتِ عبيدٍ

ومنْ فكرةٍ للإبادةِ

تخلعُ أشجارَنا والبيوتَ

مدائنَنَا منْ مواضعِها

والقرى

والمصانعَ

واللافتاتِ

وكلَّ الذي قدْ يدلُ علينا

 

وتخلعُنا بالصواريخِ

منْ خطوةٍ

أوشكتْ أنْ تمسَ الطريقَ

ومنْ نظرةٍ

لمْ نعدْ نستطيعُ التوغلَ فيها

ومن دهشةٍ

لا تناسبُ عصرَ المغولِ القدامى الجديدَ

ومنْ حيطةٍ

أفلتتْ كلَ جدوى

ومنْ صرخةٍ

تتكسرُ مثل الهواءِ

على حاجزٍ منْ حديدِ السجونِ!

 

انكسرنا

كبرجِ حمامٍ

ولم نعترف أننا مخطئونَ

ولم يفعلِ الحبُ شيئاً لنا

وانطفأنا مراراً

ولا الأغنياتُ التي لا تُعَدُّ

ولا الليلُ يرعبُهُ فقدُنا

وانكسارُ السماءِ المفاجيءِ

مثلَ بريدٍ سريعٍ!

 

تعبنا

منْ الركضِ خلفَ السرابِ

ومنْ ثورةٍ

لا تحققُ أهدافها

من زمانٍ عجولٍ

يهددُ أبراجنا بالمدافعِ

يمحو حدودَ المكانِ

يزودُ أعداءَنا بالوسائلِ

أبناءَنا بالغناءِ اللحوحِ

الذي ليسَ يثمرُ إلا صدىً لا يعودُ

وجميزةً في الخيالِ

تفككها حاجةٌ للتكسبِ !

أجسادُنا

محضُ وهمٍ

إذا ما احتشدنا

لنهتفَ ضدَّ الطغاةِ،

وقودُ حروبِ لصوصٍ كبارٍ

ينادوننا

إنْ أرادوا الحروبَ

وينسوننا

عند جني الحصادِ

عظاماً على الرملِ

ينسوننا ضائعينَ

ولسنا نؤثرُ في الحربِ والسلمِ

لسنا نعطّلُ حريةَ البحرِ!

 

حريةُ البحرِ

أن يخلعَ الموجَ من جسمِهِ

والرمالَ

وزرقةَ آلامهِ

في الطريقِ إلى حانةٍ

لا تردُ الغريبَ

ويطلبَ كأساً من المستحيلِ

ويسكرَ حتى الثمالةِ!

أنْ يتحررَ من خوفهِ

كي يسيرَ إلى نفسِهِ

عارياً

منْ ضحايا بلادٍ

يريدونَ أنْ يعبروا بالقواربِ أحلامَهَم

ثم لا يصلونَ

ولا يرجعونَ!

 

وحريةُ البحرِ

أنْ يخلعَ البحرَ منْ صرخةٍ في السماءِ

السماءُ صليبٌ

ونحنُ وقفنا

على خطوة للمسيح

لنبلغَ أسرارَها

بعدَ حينٍ

سنبلغُ أسرارَها كلَّها!

 

عالمٌ للوشايةِ

مستنقعاتٌ تربي الذبابَ

جرائمُ قتلٍ

ومعتقلاتٌ

وفوضى

وبحارةٌ ينشدونَ:

 

لأجلِ العيالِ الصغارِ الكبارِ

افتحي كوةً في جدارِ الدمارِ

ليعبرَ ضوءُ النهارِ

 

افتحي شارعاً في المدينةِ

للعاشقين

الذين يسمونَ باسمِكِ أزهارَهُمْ

فككي آلةَ الحربِ

واحكي لنا

حين نفقدُ أعضاءَنا

في المعاركِ

تاريخَ بلدانِنا!

 

واسعفينا

إذا ما شبعنا رحيلاً

بحكيٍ سيربطُ ليلَ المقيمِ

بما يفعل الراحلونَ صباحاً

وما يعبرونَ بهِ

منْ بلادٍ

ومنْ ذكريات

 

يعذبُنا

بالمحبةِ حيناً

ويطربُنا

دائماً بالأغاني

ويضحكُنا

بالنكاتِ البذيئةِ!

يجرحُنا بالبكاءِ

يهدهدُنا كي ننامَ

إذا ما تعبنا

من الأرقِ المتكرر والانتظارِ!

*****

خاص بأوكسجين