\”أرواح سوداء\”… مافيا الهروب من الماضي
العدد 165 | 21 كانون الثاني 2015
زياد عبدالله


سيأخذكم فيلم “أوراح سوداء” Black Souls للمخرج الإيطالي فرانتشيسكو مونزي إلى عوالمه وينقلكم من مفاجأة إلى أخرى! وسيبدو من الصعب ممارستكم لعبة التوقعات التي عادة ما ينغمس فيها المشاهد، وليس الأمر متأتياً من لعبة تشويق لا سابق لها، بل من فيلم متأسس على رصانة درامية لا تطوعها القوالب ولا الوصفات الجاهزة، ولنكون في النهاية أمام فيلم صادم، مدهش، معيداً للأفلام المتصلة بالمافيا الإيطالية ألقها، كون تناول عوالم المافيا مساحة خصبة للتراجيديا.

المكان سيكون حاسماً في هذا الفيلم، وسيكون المكان متحالفاً مع الزمن، بحيث تكون ميلانو ممثلاً لحاضر عائلة كاربوني، وقرية كلابريا في الريف الإيطالي تمثل ماضي تلك العائلة. يعيش في ميلانو الأخوان لويجي (ماركو ليوناردي) وروكو (بيبينو مازوتا)، بينما يعيش الأخ الأكبر لوتشيانو (فابريزيو فيراكاني) في كلابريا حياة هادئة لا شيء فيها إلا الزراعة والعبادة وتربية الماعز، برفقة زوجته وابنه الوحيد ليو البالغ من العمر عشرين سنة.

لويجي وروكو ما زالا مواصلان للإرث العائلي في تجارة المخدرات، بينما يعتبر لوتشيانو المخدرات وتجارتها ماض لا يريد العودة إليه، وخاصة أن والده قد قتل على يدي منافسه في القرية، والذي يتسيدها هناك من دون منازع.

حدث بسيط سيقوّد كل شيء، وسيأتي من ليو ابن لوتشيانو المأخوذ بعمه لويجي صاحب الشخصية الكاريزمية المحملة بكل سمات من يؤخذ به شاب مراهق، بدءاَ من وسامته مروراً بلطافته ودماثته وحب من حوله له، وصولاً إلى صفات الزعامة والقيادة البادية عليه، حدث أو للدقة حادث بسيط يتعرض إليه ليو من خلال مشادة كلامية مع من يعايره بمصير جده وماضي عائلته، وليقوم ليو بالانتقام بإطلاق النار على الواجهة الزجاجية لمحطة وقود يملكها من عيّره، وليكون صاحب تلك المحطة على صلة بالزعيم المافيوي الذي سبق وقتل والد الأخوة الثلاثة وجد ليو.

لا شيء في البداية سيوحي بالمدى الذي ستصله الأمور، وكل ما سيقوم به ليويجي هو الذهاب لزيارة قريته ودعوة عائلة أخرى على شراكة معه في تجارة المخدرات على الغداء، على شيء من استعراض القوة.

مع زيارة لويجي سيكون كل ما يطالعنا مفاجئاً، فبعد أن نكون مأخوذين بشخصيته وعوالمه، ستتوالى الانعطافات في السيناريو، وليبدو في النهاية أن الصراع مع الماضي هو الصراع الأكبر في الفيلم، صراع دام لا فكاك منه متى اقترب منه أحد، صراع أسود كما هي الأرواح التي ستصعد إلى بارئها.

_______________________________________

شاعر وروائي وناقد من سورية

 

الصورة من مجموعة بعنوان “كهربا مقطوعة” للمصور السوري أحمد بلّة

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.